ثقافة الصورة الرقمية

ثقافة 
الصورة الرقمية
مقال للدكتور سيد بخيت

في ظل ثورة المعلومات والقفزات التكنولوجية المتلاحقة، تغيرت المفردات الأساسية للعمل الإعلامي والصحفي، والذي يعتمد بشكل أساسي على الصورة كوسيلة توصيل وتواصل، حيث ضربت هذه الثورة بتقنياتها المتلاحقة، المفاهيم الأساسية المتعلقة بالصورة الإعلامية،وبوظيفتها، وبأسس استخدامها ومعالجاتها، وبكيفية إنتاجها، وأخلاقيات التعامل معها ونشرها.
كما أحدثت هذه الثورة تغيرات كثيرة في صناعة وثقافة الصورة الإعلامية، والتي شهدت الكثير من التطورات في مجال إنتاجها، والكثير من الظواهر الجديدة، وخاصة فيما يعرف بالصورة الإعلامية الرقمية، والتي تطل على الساحة الإعلامية كمفهوم جديد، وكوسيلة اتصال جديدة، لها تقنياتها وظواهرها وأخلاقياتها الخاصة بها، والتي تستحق أن تفرد لها دراسة خاصة للكشف عن جوانبها وأبعادها المختلفة.
ويشي الاستخدام الحديث للصورة في وسائل الإعلام عن تزايد حدة التخصص في التعامل مع الصورة الرقمية، وعن زيادة جودتها، وتسارع تنقلها من مكان لأخر، وقدرتها على التشكل بسهولة في بيئات ووسائط إعلامية متعددة، بفعل اعتمادها علي اللغة الرقمية. كما يكشف عن إثارة بعض الصور لردود فعل سياسية واجتماعية وثقافية بدرجة أكبر مما قد تحدثه الفنون الإعلامية الأخرى، وعن ظهور ممارسات غير أخلاقية في مجال استخدام الصور الرقمية إعلاميًا.
ففي ظل ثورة المعلومات، أصبحت الصور الرقمية تحيط بالبشر في كل مكان، وخاصة عبر وسائل الإعلام، حتى بدأ البعض يتساءل عن مدى تأثير هذا التشبع بالصور على فهم الأحداث، وعن التأثير الناتج عن سرعة نشر وبث الصور على درجة استجابة الجمهور للأحداث،ومدى قدرة الصورة على إحداث ردود فعل قوية وسريعة ومباشرة، فضلاً عن تأثير التراكم الناتج عن الاستخدام المكثف للصور على الذاكرة الثقافية للمجتمعات. كما أحدثت المعالجة الرقمية للصور تأثيرات كبرى على طرق إنتاج وتحرير وإدارة وصناعة الصور في وسائل الإعلام، وأثارت تساؤلات عديدة عن الأبعاد الأخلاقية الجديدة للصور الإعلامية الرقمية، وعن تأثيراتها على العمل الإعلامي برمته، وعلى مصداقية وسائل الإعلام من جهة، وعلى الحقوق الاتصالية والإعلامية للجمهور من جهة أخرى.
وبالرغم من التطورات المتلاحقة في عالم صناعة الصورة الإعلامية، فإن معظم المؤسسات الإعلامية لم تسن لنفسها ضوابط عمل محددة، للتعامل مع هذه التطورات، حيث تعمل معظمها بدون موجهات وأدلة تساعد العاملين بها على تعظيم استفادتهم من هذه التقنية الجديدة، ودون أن تأتي على حساب القيم والأخلاقيات والممارسات الإعلامية الواجب الالتزام بها.
ويهدف هذا البحث لرصد التطورات الحادثة في مجال صناعة الصورة الإعلامية الرقمية، وأبرز ملامح ثقافتها وتأثيراتها، وأبرز التقنيات التي تستخدمها، وتحليل الظواهر المرتبطة بتأثير المعالجة الرقمية للصور على العمل الإعلامي، وأبرز الممارسات الإعلامية ذات الطابع الأخلاقي السائدة في هذا المجال، وردود الفعل التي أثارتها، وأبرز الحالات الإعلامية التي ظهرت جراء تطبيق المعالجة الرقمية على الصور، وبيان الأبعاد الأخلاقية المرتبطة بها، مع تقييم للتصورات الإعلامية المتعلقة بكيفية التعامل مع هذا الشكل الجديد من المعالجة للصورة،وخاصة تقييم مواثيق الشرف الصحفية التي اهتمت بالتطرق لهذا الموضوع، ومحاولة وضع تصور أخلاقي محدد لكيفية التعاطي مع هذه الظاهرة الجديدة.
ويتمحور البحث حول أفكار أساسية تركز على مكانة الصورة في السياق الثقافي والاجتماعي والإعلامي، باعتبارها وسيلة اتصال قائمة بذاتها، وباعتبارها تجسد رمزًا لواقع اجتماعي وثقافي، وتكثيفًا لقيم وممارسات وعادات وأعراف متبعة.وتتأسس الرؤية النظرية للبحث في معالجة موضوع صناعة الصورة الإعلامية الرقمية على منظور ثقافي أخلاقي وإعلامي وتقني، يضع صناعة الصورة في سياق اجتماعي وثقافي وتاريخي وإعلامي وتكنولوجي، ويرى الصورة كوسيلة اتصال قوية ومؤثرة تستمد كيانها وبقائها وحياتها من ثقافة مجتمعها ومن تزاوجها مع الثقافات الأخرى. كما يرى أن الموقف من الصورة ينبغي أن يتأسس على ذات المواقف التي ُتتخذ في مجال صناعة القرارات الإعلامية والإخبارية، وأن النظر للصورة ينبغي أن يتجاوز البعد التقني والتحريري للمعالجة الرقمية للصورة، لبيان تأثيراتها الثقافية والاجتماعية والإعلامية،وأن أية مؤسسة إعلامية ينبغي أن تصيغ لذاتها ضوابط خاصة ومحددة في مجال معالجة الصورة، وخاصة الصورة الرقمية، تلتزم فيها بأخلاقيات العمل الإعلامي.
وقد أثارت عدة عوامل دراسة هذا الموضوع، كما أظهرت وجود مشكلة بحثية تستحق الدراسة من بينها: تعاظم أهمية الصورة في وسائل الإعلام الحديثة، وتنوع وتطور التقنيات المستخدمة في مجال المعالجة الرقمية للصور، وتطور أساليب المعالجة، فضلاً عن الأهمية التقليدية للصورة في وسائل الإعلام، وظهور بعض الإشكاليات الأخلاقية في مجال الممارسات الإعلامية المتبعة في بعض وسائل الإعلام بل وفي مؤسسات إعلامية عريقة ، مما كشف عن غياب وجود تقاليد وأعراف لديها فيما يتعلق بطرق معالجة الصورة رقميًا، وكذلك قلة الكتابات التي تناولت التطورات الحديثة في مجال المعالجة الرقمية للصورة وتأثيرها على الجوانب الأخلاقية للعمل الإعلامي.
ويفترض البحث تعاظم ظاهرة الصورة الإعلامية الرقمية، وتزايد إدراكها وتصورها كوسيلة اتصالية متميزة، لها تقنياتها ودلالاتها وتأثيراتها ومفرداتها الخاصة بها.كما يفترض غياب وجود تصورات أخلاقية محددة لدى المؤسسات الإعلامية في مجال تعاطيها مع الصورة الرقمية. وكذلك يفترض وجود ممارسات أخلاقية غير سوية في مجال التعاطي مع المعالجة الرقمية للصور في بعض المؤسسات الإعلامية بفعل عوامل عديدة من بينها جدة الظاهرة والانبهار بها، وغياب وجود ضوابط محددة للتعاطي معها، ووجود ضغوط مهنية واقتصادية، وعدم الوعي بثقافة أخلاقيات الصورة الرقمية وغيرها.
ويقوم البحث على التحليل الثانوي لبعض الكتابات والأدبيات العلمية:الثقافية والإعلامية والتكنولوجية والقانونية المتعلقة بالصورة الرقمية، وكذا على التحليل الكيفي لبعض مواثيق الشرف الصحفية والإعلامية المتعلقة برؤية المؤسسات الإعلامية للمعالجة الرقمية للصور، وخاصة المواثيق الخاصة بوسائل إعلام أمريكية، اهتمت بتناول موضوع الصورة الرقمية، وأيضا على التحليل الكيفي لبعض الحالات والممارسات المتعلقة بتعاطي بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى مع ظاهرة الصورة الإعلامية الرقمية.

الدراسات السابقة:

تكشف مراجعة الدراسات السابقة عن غلبة الدراسات الكمية التي اقتربت من موضوع المعالجة الرقمية للصور، وقلة الدراسات التي حللت هذا الموضوع كيفيًا، وندرة الدراسات التي نظرت للمعالجة الرقمية للصور في إطار إعلامي وثقافي أعم، حيث اقتصر معظمها على رصد حالات أو تحليل اتجاهات ومواقف لصحفيين ومصورين أو تتبع ظواهر معينة، دون أن ترصد أبعاد الظاهرة في سياق عام يبين تطورها وأبعادها وجوانبها وتقنياتها وتأثيراتها الأخلاقية. ومن ناحية أخرى، غلبت النواحي التقنية أو الانطباعية على المقالات والكتابات التي تناولت المعالجة الرقمية للصور.
ومن بين الدراسات التي عنت ببحث تأثيرات المعالجات الرقمية للصور، دراسة شيلا ريفز (Reaves, 1995)حول اتجاهات محرري الصور إزاء التلاعب الرقمي، ودراسة كيلي وناس Kelly & Nace, 1994) ) عن المصداقية الذي تتمتع به المعالجة الرقمية للصورة، ودراسة راسلي Russeli, 1997)) عن تأثير المعالجة الرقمية على مصداقية الصور الصحفية، ودراسة جريفن (Griffen, 1992)عن استخدامات الصحف لبرامج المعالجة الرقمية في إحداث تعديلات في الألوان، وفي مضمون الصور الصحفية، ودراسة بوتر Potter, 1995)) حول تأثيرات التوسع في استخدام تكنولوجيا التصوير الرقمي، ودراسة راسيل ووانتا (Russial &Wanta, 1998)، ودراسة تومبسون (Thompson, 2006) عن أخلاقيات المعالجة الرقمية للصور لدي المصورين المحترفين. كما اهتمت بعض الدراسات بمعرفة اتجاهات المصورين الصحفيين إزاء المعالجة الرقمية للصور منها دراسة كرامر ((Kramer, 1994 على عدد من محرري الصور بالصحف الأمريكية. ودراسة Fahmy and Smith,2006))، عن مزايا وسلبيات التصوير الرقمي من وجهة نظر المصورين الصحفيين. وعنت دراسات أخرى بتحليل تأثيرات الصورة، من بينها دراسة جلبرت وشولدر (Gilberts & Schleuder 1990) حول تأثير استخدام الألوان في الصور على المجهود الذهني والذاكرة. واهتمت دراسات قليلة بمتابعة مدى اهتمام مواثيق الشرف الخاصة بمؤسسات إعلامية مثل كتابات Kenny Irby منذ 2003 على موقع Poynter.org. وقلة أيضًا من الدراسات هي التى اهتمت بدراسة جوانب إدارة العمل الإعلامي في ظل المعالجة الرقمية وخاصة فيما يتعلق بالأرشفة الإليكترونية مثل دراسة Bossen et al, 2006)). وعنت بعض الدراسات برصد جوانب التلاعب في الصورة وتأثير هذا التلاعب على أخلاقيات العمل الإعلامي مثل (Aaron Quinn, 2007).
واهتمت دراسات قليلة بتحليل ثقافة الصورة مثل دراسة Rozen, 2005)) عن التحولات في ثقافة الصورة والعلاقة بين الكلمة والصورة والمخاطر التي جلبتها ثقافة الصورة. كما تناول د. شاكر عبد الحميد في كتابة عصر الصورة (2005)، الأشكال المختلفة للصورة والتحولات في ثقافة الصورة في عصر العولمة وسلبياتها وإيجابياتها. وتطرقت بعض الدراسات للجوانب القانونية للصورة وتأثير التكنولوجيا على الحقوق المتعلقة بالصورة، فمثلاً رصدت فرنون (Vernon,1997)التطورات التكنولوجية التي شهدتها الصور الصحفية، والمشكلات القانونية والأخلاقية والاجتماعية الناجمة عن تلفيق وتزييف الصور الصحفية.
أما فيما يتعلق بالدراسات العربية المتعلقة بالصورة، فيلاحظ أن ثمة ندرة في الدراسات العربية التي تعرضت للصورة باعتبارها محورًا أساسيًا للبحث، وخاصة المعالجة الرقمية للصور، حيث ركزت أغلب الدراسات على الصورة باعتبارها عنصرًا تيبوغرافيًا يستخدم في تصميم وإخراج الصفحات، ويساعد على جذب الانتباه إلي النصوص الصحفية، وإن ركز بعضها على دراسة الصورة الصحفية باعتبارها المحور الأساسي للدراسة مثل دراسة محمد عبد الحميد عن تحليل محتوى الصورة الصحفية، ودراسته أيضا عن حدود الاتفاق بين نتائج محتوى النصوص والصور الصحفية، ودراسة السيد بهنسي عن دور الصور الصحفية في دعم السياسات التحريرية للصحف الحزبية. وإن غلب الطابع التعليمي على الدراسات العربية، حيث ركز معظمها على تاريخ الصورة والجوانب الفنية لإنتاجها، وهي موضوعات لم تعد تشغل بال المهتمين بالصورة. ويكشف الاستعراض السابق للدراسات السابقة عن الحاجة لدراسة جديدة، تضع ظاهرة المعالجة الرقمية للصور في إطارها الإعلامي والأخلاقي، وتحدد أبرز ملامح ثقافة الصورة الرقمية بجوانبها الإعلامية والأخلاقية والتقنية.

المبحث الأول: مفاهيم أساسية في ثقافة الصورة الرقمية

(1) تعريف الصورة وأنواعها:

تعطي بعض القواميس نحو عشرة تعريفات لكلمة صورة، بدءًا من الإشارة إلى عملية إعادة الإنتاج (أو النسخ) للشكل الخاص بإنسان أو بموضوع معين، إلى الإشارة إلى كل ما يظهر على نحو خفي، وفيما بين هذين المعنيين تشتمل التعريفات على استخدامات خاصة للمصطلح في الفيزياء والرياضيات وعلوم الكمبيوتر وغيرها. وكذلك هناك معاني عامة أخرى للمصطلح تجسد الخصائص المرتبطة بالصور المرئية، وكذلك الجوانب العقلية، والتي تشتمل على الوصف الحي، والاستعارة الأدبية والرمز الأدبي، والرأي أو التصور، والطابع الذي يتركه شخص أو مؤسسة، كما تفسرها أو تقدمها وسائل الإعلام الجماهيرية. وتمتد كلمة صورة image بجذورها إلى الكلمة اليونانية القديمة أيقونة Icon، والتي تشير إلى التشابه والمحاكاة ( شاكر عبد الحميد،2005، 16-17).
وعند البحث عن مفهوم الصورة نجد أنفسنا أمام جملة من المفردات منها: الصورة الثابتة ( الفوتوغرافية، اللوحة الزيتية،الصورة المتحركة ( التليفزيون، والسينما) والصورة الشعرية، والصورة الرقمية، والصورة الذهنية، والصورة الخطية،بالإضافة إلى صور الواقع الافتراضي، والصور التشكيلية وغيرها. وتتواجد كل هذه الصور بمعانيها المختلفة معًا في مجتمعاتنا اليوم، ولذلك فإن هذا العصر جدير بأن يسمي عصر الصورة فعلاً. ( نصر لعياضي، 2006) (شاكر عبد الحميد،2005، 16-17).
وتزاحم هذه الأنواع لا يدل على تعدد أشكال نقل الصورة بقدر ما يؤكد شيئًا أساسيًا، وهو أننا لا يمكن أن نستغني عن الصور، فعندما نفكر فنحن نستعمل صورًا ذهنية، ولا يمكن القيام بعملية التفكير بدون هذه الصور، لأنها هي التي تدفعنا للتعبير عما هو غير موجود بشكل عيني، فالصورة هي العالم المتوسط بين الواقع والفكر، بين الحس والعقل (حسن حنفي، 2003).

(2) تعريف ثقافة الصورة IMAGE CULTURE:

يعنى مصطلح ثقافة الصورة برصد الرؤى المختلفة المحيطة بالصور ودلالاتها ومعانيها وتأثيراتها، وكيفية النظر إليها كرمز، وكوسيلة تواصل وكناقل للمعرفة. وفي عصر الصورة، حدثت تغيرات جوهرية في ثقافة الصورة والتعامل معها، وكذا في النظر إليها، وقد جاءت هذه التغيرات كمحصلة للثورة التكنولوجية، ففي كل حقبة زمنية تتواجد تكنولوجيا خاصة بالصور، تفرز مجموعة مختلفة من المحاكيات التي يجري من خلالها تقييم الصور وإدراكها. وفي هذا العصر المعلوماتي، بدأت ثقافة الصورة تتشكل بطبيعة الفترة الزمنية، وأصبحت تتضمن مجموعة محددة من الموضوعات والأنشطة وبني الاستهلاك والإنتاج للتمثيلات المعرفية ( الرمزية) التي تدور حولها، حتى أن البعض يقارن ما يحدث من تحولات جذرية في ثقافة الصورة الآن وخاصة الصور الرقمية، باكتشاف الكتابة، وميلاد فن التصوير الزيتي، واختراع التصوير الفوتوغرافي، فالصورة الرقمية تعد بمثابة ميلاد لأداة جديدة في المعرفة. ( شاكر عبد الحميد،2005، 7-42) ( لعياضي، 2006).
ومن بين التحولات في النظر للصورة من منظور ثقافي، أن التطورات المتسارعة في مجال المعالجة الرقمية للصور، وظهور بعض الاستخدامات السلبية لها، ووقوع بعض المؤسسات الإعلامية العريقة ضحية لبعض هذه المعالجات، أثر في إعادة النظر في مصداقية الصورة المرئية، وفي قدرتها على نقل الواقع كما ينبغي، وهو ما أدى بالتالي لتراجع النظر للصورة كمعادل للحقيقة، (Lasica,1998)، وكناقل للأحداث، مما يجعل المرء يفكر مرتين قبل أن يتخذ قرارًا بناء على صورة يراها. ومن التحولات أيضًا، أن النقاش حول علاقة الصورة بالأصل، لم يتجدد، حيث لم يعد هذا الأمر يمثل هاجسًا مثلما كان عليه الحال في السابق، فهناك شبه إجماع على أن الصورة الرقمية استطاعت أن تستغني عن المرجع أو الأصل، وتستقل بذاتها وتؤسس معني بعيدُا عنه، كما أن المعني الذي نملكه عن أصل الصورة أو نسختها قد تغير في العالم الرقمي لأنهما أصبحا شيئًا واحدًا (لعياضي، 2006)، وإن كان هذا لا يعني أن التكنولوجيا الحديثة وسياقات استخدام الصورة قد ألغت كل النقاشات حول الصور، بل أعادت صياغتها على أسس فلسفية ومهنية جديدة.
ولكن من ناحية أخرى، أصبحت الصور والأشكال المصورة للأخبار والبيانات والمعلومات تمثل جانبًا مهمًا تقوم من خلاله مجالات عديدة بالتجارب ووصف المعلومات وتوصيل الأفكار، كما أصبحت الصورة في منزلة صناعة الحدث نفسه، وباتت تتطلب معرفة عميقة ومتخصصة في التعامل معها، فضلاً عن حدوث تحول عالمي في كيفية التعاطي مع الوسائل البصرية كأدوات لتمثيل المعرفة، وهو تحول يتزايد تصاعديًا مع تزايد أهمية وسائل الإعلام الرقمية كشكل من أشكال تقديم المعلومات.

(3) تعريف الصورة الرقمية: DIGITAL IMAGESوالمعالجة الرقمية DIGITAL IMAGING :

تختلف الصور الرقمية عن الصور الفوتوغرافية في أنها صور مولدة من خلال الكمبيوتر والكاميرا الرقمية أو على الأقل معززة بهما. وتستمد قيمتها الخاصة من دورها كمعلومة، وكذلك من تميزها بوصفها صور يسهل الوصول إليها، والتعامل معها ومعالجتها وتخزينها وتحميلها أو تنزيلها في الكمبيوتر أو على الإنترنت.. الخ( شاكر عبد الحميد، 2005، 22-23). وبينما كان المصطلح يشير إلي معالجة الصورة عن طريق الماسح الضوئي وبرنامج الفوتوشوب، فقد تم التوسع في استخدامه ليشير أيضًا إلي التقاط الصورة باستخدام الكاميرات الرقمية، فضلاً عن معالجاتها ببرامج معالجة الصورة، مرورًا باستخدام التقنيات الحديثة في حفظ وتنظيم الصور وأرشفتها واسترجاعها. وتتخذ الصور الرقمية عدة أشكال من بينها الصور الإعلامية، وصور الواقع الافتراضي، وصور المحاكاة، وتكنولوجيا الأقراص الممغنطة، وصور مواقع الأفلام على الإنترنت وغيرها. وقد أصبحت هذه الصورة تتشكل بألبسة مختلفة ومتنوعة ومتكاملة في ذات الوقت.
وفي عالم الصور الرقمية لا توجد صور فريدة من نوعها، حيث لم يعد ينظر للصورة باعتبارها مجرد إعادة إنتاج لواقعة أو حادثة، بل على أنها نسخة مكررة، فالصور في الفترة السابقة على النسخ الآلي للصور، كما هي الحال في فن التصوير الزيتي مثلا، كانت توضع في مكان خاص، وتحصل على قيمتها الثقافية من كونها صورة أصلية أو فريدة. أما الصور المنسوخة آليا فقد حصلت على قيمتها من خلال قابليتها لإعادة الإنتاج المكثف، وإمكان توزيعها بدرجة كبيرة، وكذلك دورها في وسائل الإعلام الجماهيرية، حيث يمكنها تدوير ونشر وإذاعة الأفكار، وإقناع المشاهدين. ( شاكر عبد الحميد، 2005، 22-23). أما الصور الرقمية والافتراضية فقد حصلت على قيمتها من خلال خصائص أخرى مثل سهولة الوصول إليها، والحصول عليها، ومطاوعتها، وقيمتها المعلوماتية المضافة. كما بدأت قيمتها تتأتى ليس من تفردها أو فراداتها، ولكن من قيمتها الثقافية والإعلامية والاجتماعية والجمالية أيضا، ومن إمكانية رؤيتها على شاشات عديدة في الوقت نفسه. وقد ساعدت اللغة الرقمية على زيادة فاعلية الصورة وظهورها كلغة جديدة ،كسرت حدة الخوف وجفاف المادة المكتوبة، بل وأصبحت تقدم شهادة إثبات على صدق ما تقوله الكلمة المكتوبة، ولا غرو في ذلك، بعد أن أصبحت مكونًا أساسًيا للمعرفة وتقديم المعلومات في هذا العصر.

(4) أهمية الصورة

الصورة سلاح، الصورة أقوى من ألف كلمة، الصورة سلطة، عصر الصورة، حضارة الصورة، الصورة ليست فقط بألف كلمة، بل بمليون كلمة: عبارات متداولة يستدل منها على أهمية الصورة عند معظم الناس على اختلاف فئاتهم وبيئاتهم واهتماماتهم، وخاصة بعد التطور التكنولوجي الذي شهده عالم إنتاج الصورة وتوزيعها وتوظيفها، حيث أقام الإنسان عن طريقها علاقة جديدة مع الزمان والمكان، وصار يشاهد الأحداث لحظة وقوعها، وبشكل مرئي ومحسوس في نفس الوقت. ولقد لعبت وسائل الإعلام دورًا أساسيًا في زيادة هذه الأهمية للصورة، وفي زيادة وعى الإنسان المعاصر بأشكال الصورة المختلفة وجوانبها الإيجابية والسلبية معًا. كما ساهمت علوم الصورة وتقنياتها وتجلياتها في عمليات التربية والتعليم، وفي عمليات التسويق، وفي الحوار بين الجماعات والشعوب،وفي الاستمتاع وقضاء وقت الفراغ..الخ.
وتقوم الصورة بعدة وظائف من بينها توثيق ورصد الأحداث، وتوقيف وتثبيت الزمن للحظات، وإثارة الكثير من الأحاسيس، والخيالات، ومساعدة المرء في استدعاء الماضي ومعايشته، كما تمكنه من التفكير في مستقبله وتنشيط خياله، ومساعدته على التحرك عبر إطار زمني ممتد ومنفتح ومن التفاعل مع أشخاص يوجدون في أماكن بعيدة.
ويتأتي التأثير القوي للصورة من اعتبار الرؤية أقوى الحواس البشرية التي يتمتع بها البشر، إذ تزود الفرد بما يصل إلى 80% من المعارف التي يتحصل بها، بينما تتشارك الحواس الأخرى في النسبة المتبقية، فضلاً عن كون الصورة أكثر قدرة على ترجمة المشاعر والأحاسيس، وملامسة العواطف والمشاعر والأفكار،والاستحواذ على الانتباه. كما تتفرد بمزايا عديدة في الإقناع، والاستثار، والاندهاش، وسهولة الاستيعاب بشكل فوري وسريع من قبل أي فرد ( شاكر عبد الحميد، 2005، 7-42).
(5) سلبيات وايجابيات عصر الصورة: من بين السلبيات التي صاحبت الاعتماد المتزايد على الصورة في العصر الراهن: أن النقل المباشر للأحداث واللهث وراء الآنية، وهيمنة الصورة وتدفقها وتسارعها قد حولا الهدف من استخدامها، من مساعدة الجمهور على فهم ما جري، إلى الاقتصار على نقل ما جري، ومن ثم أصبحت الصورة هي الحدث ذاته وليس وسيلة لنقل الحدث. وكذلك أثر هذا التسارع في النقل على القيم والأخلاق،وعلى تراجع مستوي الجودة والحرفية والدقة، وعلى قدرة وسائل الإعلام على عكس الواقع وإثراء الحوار الديمقراطي، فوسائل الإعلام تتعامل مع الصورة كسلعة، متجاهلة القيمة الإضافية التي تقدمها للصعيد الإعلامي.
ومن ناحية أخرى، لم يؤد كثرة الصورة وتراكمها إلى فهم كل ما جري، وكيف تم؟ ولماذا تم؟، فضلاً عن أن اللهاث وراء الصورة أدى لزيادة هيمنة ثقافة المظهر والشكل والإبهار على حساب ثقافة الجوهر والقيمة والعمق، وخلق ما يعرف بثقافة التكرار، والتركيز على الترفيه، وتفضيل الفردي والعولمي، وتعميق الصور النمطية، حتى أن البعض يخشى من أن يؤدى طغيان الصور إلي أن تحل محل الكلمات، وإلى تراجع القراءة لمصلحة المشاهدة.( شاكر عبد الحميد، 2005، 7-42) ( لعياضي، 2006).
ومن الجوانب السلبية للصور أيضًا زيادة إمكانية استخدام الصور لتزييف الوعي وإخفاء الحقيقة، والإعلاء من قيمة السطحي والمؤقت والعابر من الأمور على حساب الحقيقي والجوهري والثابت، وزيادة إمكانية تحويلها الإنسان إلى كائن سلبي مستقبل ومستهلك للصور .ومما يساعد على ذلك قيام بعض المؤسسات التي تقف وراء صناعة الصورة بتقديم صور زائفة للواقع، وخلق حالة من الهروب من المعرفة، وزرع حالة من الإدمان على تلقي المعرفة عبر الصور. وقد تزايدت هذه المظاهر السلبية للصور، مع ظهور ما يعرف بجرائم الصور، كالسرقة والتزوير والقتل والصور الزائفة واستدراج الضحايا عبر الصور.
ولكن من ناحية أخري يمكن رصد عدة إيجابيات للصورة بصفة عامة، من بينها مكانتها في تسجيل الأحداث والوقائع، وحفظ التاريخ وأرشفته بشكل مرئي، وتذكيرها بالماضي، ورصدها للحاضر وتتبع مساراته، وقدرتها على خدمة مجالات كثيرة ومخاطبتها لكل الأعماروالمستويات الثقافية وذوي الاحتياجات الخاصة، وتنشيطها لعمليات الانتباه والإدراك والتذكر والتصور والتخيل، وتدميرها للمسافات،ومساعدتها للمتعاملين معها للتحول من المشاهدة السلبية للأداء الإيجابي.

(6) المداخل النظرية المستخدمة في تحليل الصور:

قبل البدء في طرح المداخل المختلفة المتعلقة بتحليل الصورة، فإنه يجب التأكيد على أن الموقف النظري من الصورة الإعلامية يتباين وفق عدة رؤى فلسفية ونظرية، فالصورة مكون أساسي في ثقافة أي مجتمع، والرؤية النظرية لها تتباين بمكانة الصورة في المجتمع، وبطبيعة النظرة الثقافية لها. كما أن النظام الإعلامي لكل مجتمع يحدد طبيعة الدور المتوقع من الصورة، كما يحدد أخلاقياتها ومعايير نشرها. وفي ظل ثقافة العولمة التي تجتاح العالم الآن، ثمة مدخلين أساسين في النظر للصورة وتحليلها: الأول يؤمن بأننا نعيش في عصر الصورة الإعلامية، وأنها تهيمن على كل مجالات الحياة، وتلعب دورا أهم من الكلمةخاصة في ميادين المعارك أو الكوارث الطبيعية أو الأزمات الاقتصاديةوغيرها
والمدخل الثاني يقوم على تصور أننا لا نعيش في عصر الصورة بل في عصر الفكرة، وتقوم حججه على أن مفهوم عصر الصورة ما هو إلا شعار غربي، يلبي حاجات اجتماعية-اقتصادية وسياسية معينة، وأنه ربما ينطبق على مجتمعات معينة دون سواها. ويرى هذا التصور أن مقولة الصورة لا تكذب قد سقطت، وأن الصورة لا تقدم الواقع الواقعي، بل هي معنية أساسًا بصنع وتقديم واقع مشروط باعتبارات أيديولوجية وسياسية واقتصادية معينة، وقد تمت عملية انتقاء واختيار مكونات هذا الواقع من منظور معين، ولخدمة مصالح معينة، وبقدر كبير من الدقة والمهارة. ومما سبق يستنتجون أن الصورة المعاصرة منهمكة في خدمة مشروعها، وفي استخدام الإعلام ونظرياته لدفع المتلقي عبر التدفق البصري الغزير والمتنوع والجذاب للاستغراق في هذا الواقع والتماهي مع قيمه، وقد تم ذلك عبر عملية معقدة وواعية ومتعمدة (أديب خضور، 2000، 71-77).
وفيما يتعلق بطرق تحليل الصورة، يعرض ليستر Lester لعدة مناظير لتحليل الصورة الإعلامية منها: المنظور الشخصي والذي يعكس التقييم الفردي للصورة والانطباعات القائمة على الخلفية التعليمية والإعلامية للفرد، والمنظور التاريخي، والذي يحلل الصورة في إطار سياقها التاريخي، والمنظور التقني والذي يحلل الصورة من جوانبها الفنية، والمنظور الأخلاقي والذي يقيم الاستخدام والتأثيرات الأخلاقية للصورة، والمنظور الثقافي،والذي يعنى بتحري الرموز والأبعاد الدلالية داخل الصورة، وأخيرًا المنظور النقدي، والذي يعني بتقييم الاستخدام الإعلامي من قبل وسيلة ما والعاملين بها للصورة وطرق التعامل معهاLester, 2006)).
وقد طرح كيونن Quinn، تصور أخلاقي لتقييم المعالجة الرقمية للصورة، من خلال دراسة مدي افتقاد الصورة للنزاهة، والاتساق؟ ومدى قيامها بواجب الصحافة المصورة في الإخبار بالحقيقة. كما حدد ثلاثة مبادئ أخلاقية يمكن أن تساعد الصحفيين والجمهور في اتخاذ قرارات فيما يتعلق بالصور وهي العواقب consequentialism ونظرية الفضيلة virtue والواجبات الأخلاقية deontology ((Quinn,2007

المبحث الثاني: التحولات الأساسية في ثقافة وإنتاج الصور الرقمية

(1) التطور التاريخي لإنتاج الصورة:

ثمة شواهد تاريخية عديدة على ظهور فن التصوير منذ قديم الزمان، من خلال النقش على الحجر والكهوف وغيرها، حيث لجأ الإنسان البدائي للصور للتعبير عن أفكاره، وتسجيل أعماله، ومع ملاحظته لظاهرة ظلال الأشياء عند انعكاس الضوء عليها تم اكتشاف ما يعرف بالغرفة المظلمة. وقد تم تطوير هذه الفكرة في عام 1550م عندما استخدم جيروم كاردان العدسة البصرية لتصحيح أخطاء النظر ضمن الغرفة المظلمة، وأضاف إليه (كاردوي عام 1590) تعديلات مهمة، مما أدى لزيادة وضوح الصورة، وبعد ذلك تطورت الغرفة المظلمة من حيث الحجم والقياس، وما أن حل القرن السادس عشر إلا وأصبحت الغرفة المظلمة شائعة.
وكانت البداية الفعلية للتصوير الفوتوغرافي عام 1727 مع ملاحظة (يومان شولز) لتأثر أملاح الفضة بالضوء، وبعد نصف قرن من التجارب، أمكن التوصل إلى استخدام أملاح الفضة في اختزال الصورة. وقد تمكن نيبس عام 1826 من التقاط أول صورة ثابتة باستخدم لوحة مطلية بـكلورايد الفضة. وقد أثار انتشر التصوير الفوتوغرافي في ذلك الوقت الكثير من الاهتمام، خاصة وأن أوربا كانت تعيش في ظل ثورة صناعية واجتماعية متصاعدة.
وعلى يد داجير كان مولد التصوير الضوئي، حيث تم الإعلان عن تصميم وتنفيذ أول كاميرا صندوقية من الخشب في عام 1839م. ويرجع الفضل لظهور هذه الكاميرا لما قدمه علماء كثيرون، منهم (هنري فوكس تالبوت) الانجليزي عام 1830م، والذي تمكن من الحصول على صورة موجبة من سالب زجاجي بواسطة محاليل كيميائية. وأيضا العالم ( كلارك ماكسويل) الذي فتحت أبحاثه الباب لإنتاج الفيلم الأبيض والأسود وبعد ذلك الملون. ومع حلول منتصف القرن التاسع عشر، انتشر التصوير الفوتوغرافي، وكثر المصورون وتقنياتهم. وفي عام 1848 اخترع جورج استمان ورق مرن خاص لطباعة الأفلام. وفي عام 1850 تم اختراع أول فلاش بدائي، وفي عام 1853 قام تبوت الايطالي بإنتاج أول صورة سلبية.
وبعدها أجريت تجارب للحصول على غرفة مظلمة قابلة للحمل، وهو ما اعتبر مرحلة أساسية في تطور الآلة الفوتوغرافية التي تحتوى على العدسة والحدقة، وكذلك السطح الذي تتشكل عليه الصورة. وفي العام 1887 تم اختراع فلاش مكون من مسحوق المغنيسيون، وفي العام 1888م ابتكر ( جورج ايستمان) فكرة آلة الكوداك الشهيرة : "أضغط الزر ونحن نقوم بالباقي"، وكانت أول كاميرا صندوق مزودة بفيلم ملفوف، ومثلت تحولاً بارزًا في استخدام الكاميرا ، حيث انتقل التصوير الفوتوغرافي إلى مرحلة كبس الزر، وفي العام 1889 اخترع هنري أول فيلم ملفوف على بكره، وفي العام 1891 استطاع المصورون الحصول على صور ملونة.
وفي عام 1907 تم إيصال صور تلغرافية بواسطة الهاتف، وفي العام 1913 تم اختراع أول كاميرا 35 مم. وفى عام 1925 نجح بولان فى نقل صور بواسطة الراديو. وفي العام 1927 تم اختراع أول فلاش (مصباح كهربائي متوهج). وظهرت في أوائل الأربعينات الكاميرات العاكسة وحيدة العدسة،واليها يرجع الفضل في انتشار التصوير بين عدد كبير من الناس، وبدأ واضحاً في هذا الوقت تحول الهواة عن الفيلم السالب الأسود والأبيض إلى الملون، حيث ظهر بالأسواق عام 1936 الفيلم كودا كورم، وهو ما اعتبر بمثابة تحولاً جديدًا في عالم التصوير الفوتوغرافي. وفي عام 1947م ظهرت أول كاميرا للتصوير الفوري أسود وأبيض من شركة ( بولا رويد) وبظهورها خطت الصورة خطوات واسعة نحو الكاميرا الرقمية، كما أمكن في عام 1940 التقاط الصور وتحميضها وطبعها في وقت واحد. وفي العام 1963 تم اختراع أول فيلم ملون. وفي العام 1996 برزت إلي الوجود كاميرات تسمح بتصوير لقطة بانورامية، كما أصبحت أجهزة التصوير الأولي ذات الصور الرقمية متاحة ولكن بسعر باهظ، مما حد من شيوعها. والآن يمكن أن يلتقط الإنسان صورة بكاميرا فيديو رقمية، ثم ينقلها إلى جهاز الكمبيوتر، ثم يغير في بعض خصائصها. كما يمكن استخدام الكمبيوتر في خلق عوامل افتراضية تمزج بين طرائق التصوير والصوت والأنظمة الحسية الخاصة بالكمبيوتر. وفي الآونة الأخيرة، تغير العالم الرقمي بدرجة كبيرة من خلال آليات الانضغاط أو التكثيف والإيجاز والأحجام الصغيرة للأجهزة القابلة للحمل والحركة مثل كاميرات الفيديو وأجهزة التليفون اليدوية المحمولة أو النقالة، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وغيرها، وكذلك تحول الصور إلى معلومات أكثر قابلية ومواءمة ومعالجة وأكثر مرونة، وأكثر قابلية للتغير.
ويكشف التطور التاريخي للصورة على أنه بينما كان الاعتقاد السائد سابقًا بأن الكاميرا هي الطريقة الأكثر استخدامًا في الإشارة إلى المظاهر الخاصة بالأشياء والأشخاص والأدلة الخاصة بالوقائع، وأن التصوير الفوتوغرافي هو أكثر الوسائل شفافية ومباشرة في الاقتراب من الواقع (شاكر عبد الحميد، 2005، 402-405)، فإنه مع التحول للتصوير الرقمي، بدا واضحًا أننا ندخل مرحلة جديدة، لم تعد فيها الصورة تمثل الحقيقة، وإنها تتنقل بالمعرفة لمستوى جديد ومختلف عما سبقه، وأن ثمة تطورات كبيرة في طرق نقل الصور والمعلومات ومعالجاتها وتخزينها، وأن جودة الصورة في تحسن مستمر، وأن التصوير قد تحرر من قيود التركيز على جماليات الصورة إلي التركيز على أهمية جماليات الواقع، وأن الكاميرا قد أصبحت الوسيط الجماهيري الذي يمكن استخدامه بطريقة ديمقراطية، كما يشير هذا التطور إلى أننا في بداية مرحلة جديدة في ثقافة أخلاقيات الصورة، وخاصة الإعلامية منها، حيث أصبح من السهل التلاعب بالصور وتوظيفها في خدمة أغراض عديدة.

(2) التطور التاريخي للصورة كوسيلة اتصالية:

مر التطور التاريخي للاتصال بعدة مراحل منها المرحلة السمعية، ثم المرحلة الكتابية، ثم المرحلة الطباعية، وبعدها انتقلت البشرية إلى مرحلة حضارة التلغراف والتليفون والإذاعة وعصر الصورة. وكانت الصحافة قد عرفت في سنة 1835 طبع الصور المرسومة عن طريق الورق الحساس، وحفرها على الزنك في سنة 1838، وفي سنة 1840 استطاع جون راير التقاط صورة لوجه بشري بالكاميرا. وبعدها ظهرت طرق أخري مثل الحفر على الحجر والزنك ثم طريقة الفوتوغرافور والأوفست، وكذلك أجريت تجارب لنقل الصور والرسوم بواسطة الكهرباء، ونقلت أول صورة بالتليفون سنة 1930 ثم تم نقلها بالراديو، ووصل نقل الصور إلى قمته عندما استخدم القمر الصناعي في نقلها إلى أجهزة التليفزيون لأول مرة في 19 يوليو 1962. ( محمود علم الدين، د.ت،6-12 )
وقد شهدت التسعينات من القرن العشرين ثورة حقيقية في مجال التصوير الصحفي، تمثلت في دخول جميع العمليات الخاصة به إلى عصر الصورة الرقمية، بدءًا من التقاط الصورة إلى معالجتها بطرق متنوعة عالية التقنية والدقة، وإنتهاءًا بنقلها السريع إلي أي مكان، ليتحقق ما تنبأ به المتخصصون في منتصف الثمانينات من أن التصوير التقليدي المعتمد على استخدام فيلم التصوير الحساس والغرفة المظلمة سوف يختفي ليدخل التصوير الإعلامي العالم الرقمي، الذي يختزل النص والصوت والصورة التناظرية إلى معلومات رقمية يمكن نقلها بواسطة أجهزة رقمية، وذلك بفضل الاندماج الكبيرة بين صناعات الاتصالات والبث والكمبيوتر( عبد الحميد & بهنسي، 2004، 60).
وقد بدأ استخدام التصوير الرقمي في وكالات الأنباء منذ أواخر الثمانينات عن طريق نظام SCITEX، وزاد استخدامها في الصحف في أوائل التسعينات، من خلال التبني السريع من قبل اسوشيدبرس لنظام Leaf Desk وبرنامج الفوتوشوب، وبالتوازي مع تحول اسوشيدبرس بدأت الصحف تستخدم برامج النشر المكتبي والفوتوشوب لمعالجة الصور. وفي 19 أكتوبر 1987 نشرت أول صور فوتوغرافية إخبارية ملونة بالصحف الأمريكية،باستخدام كاميرات اليكترونية. وعندما بدأت حرب الخليج في يناير 1991 برزت الاستخدامات الهامة للتصوير الرقمي. وفي أواخر الثمانينات كان الكاميرا الرقمية بدأت تظهر وبدأت الصحف ووكالات الأنباء في استخدامها وإن أثرت التكلفة على انتشار استخدامهم (عبد الحميد & بهنسي، 2004، 61 ).
وفي السنوات الأخيرة، تزايد اهتمام الناس وإحساسهم بقيمة الصور نتيجة انتشار استخدامها، خاصة الصور المتحركة، وانتشار المجلات والكتب المصورة وازدهار فن الطباعة، فضلاً عن ظهور التليفزيون وتقدم الفن السينمائي والتنافس بين الصحف للحصول على الأخبار المصورة. والآن، مع التسابق بين القنوات الفضائية وتعاظم دور الإنترنت كوسيلة اتصال، أصبحت الصورة الرقمية محل اهتمام العديدين، وأصبح بمقدور الكثيرين المشاركة في إنتاج الصورة الإعلامية، في ظل تقلص مراحل إنتاج الصورة، وسهولة حرق مراحل إنتاجها.
ويكشف الاستعراض التاريخي السابق عن أن الصورة الإعلامية مرت بعدة مراحل انتقلت فيها من المرحلة الجمالية كفن جميل لا يهتم فيها المصور إلا بالشكل والتكوين الفني إلى المرحلة الإعلامية كفن تطبيقي وظيفي يهتم بالنواحي الإعلامية. كما لعبت الصور الفوتوغرافية كثيرًا من الأدوار الاجتماعية المتنوعة منذ ظهورها، وإن حدثت تغيرات كبيرة في طبيعة هذه الأدوار مع ظهور التصوير الرقمي، فكل من أعراف التصوير والمفاهيم الخاصة بالنشاط البصري قد تغيرت على نحو واضح عبر التاريخ.

(3) التحولات في ( ثقافة الصورة في العصر الرقمي)

أدي تطور الصور الرقمية إلى تحولات جذرية في ثقافة الصورة، من بينها أن الصور أصبحت تحيط بالبشر في كل مكان، وخاصة عبر وسائل الإعلام، وهو ما يثير عدة تساؤلات عن مدى تأثير التشبع بالصور على فهم الأحداث، وعلى درجة استجابة الجمهور للأحداث.فمن المؤكد أن التراكم الناتج عن الاستخدام المكثف للصور سوف يترك تأثيراته على الذاكرة الثقافية المتعلقة بالأحداث التي يتم تناولها الصور، وعلى قبول البشر بما يرونه، وهو ما يثير تساؤلات حول مصداقية الصورة، وهل ستكون بمصداقية الكلمة المكتوبة أم ستتراجع؟.
وفي ظل هذه التحولات اتضح أن التكنولوجية القديمة ( الكيمائية والبصرية) هي تكنولوجيا محدودة وارتجالية، في حين تحمل التكنولوجيا الإليكترونية الجديدة وعودا بتدشين حقبة جديدة من الحرية والمرونة في خلق الصور، ومن التكوين البصري الجديد، كما اتضح أن التصوير الفوتوغرافي التقليدي محدود القدرات من خلال اقتصاره على تسجيل الواقع، وأن التصوير الرقمي يقوض الأفكار التي قام التصوير الفوتوغرافي علي أساسها، إذ لم يعد هناك صورة وأصل؛ بل صور ذات أصول متعددة. ولم تعد الصور تقوم على أساسا المماثلة والمشابهة، بل على أساس التركيب والتهجين، مما جعل إمكانات التزييف والتزوير للصور قائمة، فليس هناك تمثيل خاص للواقع بل تخليق لواقع خاص، وهناك عوالم تخيلية وافتراضية لأشباه واقع ووقائع، يمكن أن توظف في خلق أكاذيب وشائعات.
وفي ظل هذه التحولات بدأ التصور التقليدي للصور يتراجع، وبدأت نسبة الانبهار بالصور تقل، ونسبة الفزع تتضاءل، وهو أمر يختلف عن البدايات الأولي لاختراع الصور. كما تراجعت نسبة الرقابة على الصور، وتضاءلت نسبة التحكم في الصور، وقلت مخاوف السياسيين والزعماء من تأثير الصور، وزادت نسبة المنافذ التي تطل من خلالها الصور على البشر، وكسرت الوسائط التكنولوجية العوائق التقليدية التي كانت تحول بين الصور وانتشارها السريع.
ومن التحولات أيضًا تصاعد الظواهر المصاحبة للمعالجة الرقمية للصور، من حيث زيادة درجات الخطأ والتلاعب والخداع، وتلفيق الحقائق، وتراجع مصداقية الأفراد فيما يرونه بأعينهم من خلال الصور، وزيادة درجة تشككهم فيما يقدم لهم، وهو أمر ناجم عن زيادة إدراكهم لإمكانية التلاعب بالصورة، وتعاظم القدرة على تطويع الوسائط التكنولوجية لخدمة أغراض معينة. حتى أن البعض بدا يعرب عن مخاوفه من أن يؤدي تعاظم هذه الظاهرة إلى زيادة اعتياد الأفراد على أشباه الأشياء وليس على أصولها وإلي زيادة تفضيلهم للأشياء الظاهرية على الوقائع الحقيقية.
ومن التحولات كذلك حدوث بعض التراجع النسبي لمكانة الكلمة في مقابل الصورة وخاصة مع تزايد الاعتماد على الصور المرئية والمتحركة، ففي عصر قائم علىالإبهار والإثارة لم تعد الكلمة تستطيع أن تجذب القارئ كما تفعل الصورة، وخاصة مع تنامي تصور ينظر للصورة كوسيلة للتواصل تفتح آفاق أكثر جدة وحداثة ومزيد من العمق والفهم والقدرة على التعبير بصورة تفوق ما سبقها من وسائل تواصل.
ومن الإفرازات الناجمة عن عصر وثقافة الصورة، بروز ظاهرة دمقراطة التكنولوجية، والتي تعني أنه مع تزايد التقنيات التكنولوجية وتراجع أسعارها وسهولة استخدامها وتحسن جودة منتجاتها، تزايد عدد المساهمين في إنتاج الصورة، كما تزايد عدد المنتفعين بها، كما زادت الاستخدامات والتطبيقات الشعبية والجماهيرية لفنون الصورة في مجالات متنوعة. بحيث لم تصبح صناعة إنتاج الصور حكرًا على فئة معينة أو تخصص معين. ومن ناحية أخرى، أسفرت دمقراطة تكنولوجيا الصورة عن زيادة القدرة على التلاعب بالصورة، وإمكانية شيوع أعداد الأفراد القادرين على ممارسة هذا التلاعب، وسهولة اختفاء القائمين به( (Rosen,2005. ويخشي أن يمتد تأثير تراجع مصداقية الصورة على الوسائط التي تحمل الصور، وعلى المؤسسات المعنية بإنتاجها، وهو ما يؤثر في النهاية على الوسائل الاتصالية المستخدمة في المجتمع. وبصفة عامة، فأنه بالرغم من الدلالات الإيجابية والسلبية لعصر الصورة، فلا يزال للصورة أغرائها وسحرها وجاذبيتها وقدرتها على التأثير.

المبحث الثالث: الصورة الإعلامية الرقمية وظواهرها

(1) الصورة الإعلامية الرقمية:

هي تلك الصورة الإعلامية التي يتم التعامل معها رقميًا في أي مرحلة من مراحل إنتاجها، سواء أثناء التقاطها أو معالجتها وتحريرها، أو تخزينها أو أرشفتها، وهي تستمد مقوماتها من الأدوار الأساسية التي تلعبها الصورة في العمل الإعلامي، ومن المقومات التي وفرتها تكنولوجيا الاتصال الرقمية.
فمن ناحية، فإن الصورة الإعلامية ليست مجرد عنصر لإضفاء الجاذبية على الصفحات، وإنما تساعد القراء على فهم الموضوعات المصاحبة لها،وهي أفضل وسيلة لجذب انتباه القراء. ومن ناحية أخرى، ساعدت تكنولوجيا الاتصال الرقمي، في توفير إمكانات مؤثرة للتصوير الإعلامي مثل تغيير الإضاءة وتعديل الألوان، وتخزين الصورة لحفظها بشكل أفضل، بل وتغيير محتواها، وهو ما قد يؤثر على مستقبل مصداقية الصور الإعلامية، والتي كانت تعد ميزة أساسية تمتعت بها الصورة طوال عقودها الإعلامية.
وقد شهدت الفترة الأخيرة العديد من التطورات في مجال صناعة الصورة الإعلامية من بينها: أن الصورة أصبحت فنًا قائمًا بذاته، ولا تخلو منها وسيلة إعلامية، وخاصة الصور التي تنقل الأحداث الحية والفورية والمباشرة، كما زاد عدد الصور وحجمها وصفحاتها، واتسع أفقها ، وظهرت تيارات صحفية جديدة منها ما يعرف الصحافة المصورة photo Journalism أو الصحافة الفوتوغرافية Photographic Journalism، والصحافة الرقمية Digital Journalism وكذلك ظهرت مجالات وتخصصات جديدة في مجال الإعلام المرئي تعتمد بصفة أساسية على الدمج بين التكنولوجيا والصورة الإعلامية،وتقوم بإنتاج أعمال الجرافيكس والأنفوجرافيكس، وأيضًا ظهرت العديد من الجمعيات والوكالات المتخصصة في مجال الصورة الرقمية،كما تزايدت أعداد المواقع الإعلامية الإليكترونية على الإنترنت، والتي تسمح بتشارك الصور الثابتة والمتحركة على نطاق واسع، وزادت الحاجة لأنواع متنوعة من الصور لتتلاءم مع الاحتياجات الجديدة للعمل الإعلامي، كما زادت حدة المنافسة بين الوسائل الإعلامية في مجال إنتاج الصور الإعلامية، لجذب أكبر قدر من الجمهور إليها.
ومن ناحية أخرى، ساعدت رقمنة الصور وقابلية تناقلها بين الوسائط الإعلامية المختلفة، على تناول موضوعات لم يتم تناولها من قبل، وتشكل ذات الصورة الإعلامية بعدة أشكال وفقًا لمتطلبات الوسيلة التي تعرض فيها من جهة، وإلى تناولها في عدة أشكال وفنون إعلامية من جهة أخرى، وإلى تعدد وسائل توظيفها، فضلاً عن إمكانية تحويلها وتغيير معالمها بحيث تظهر بصور متنوعة. كما ظهرت فنون صحفية وإعلامية جديدة تعتمد على الصورة، وعلى توظيف التقنيات الحديثة في عرض الصور مثل Photo essay، و Slideshow، كما يسرت التكنولوجيا الحديثة مجال المشاركة في إنتاج الصور للعديد من الأفراد، والذين أصبح بمقدورهم القيام بكل المراحل الخاصة بإنتاج الصورة الإعلامية الرقمية، فضلاً عن حدوث تطور هائل في مجال الكاميرات ومواصفاتها الفنية، بحيث أصبح بالإمكان التغلب على المشكلات التقليدية التي كانت تواجه وسائل الإعلام في مجال إنتاج الصور الإعلامية، كما أصبح بالإمكان حرق المراحل التقليدية المتعلقة بإنتاج الصورة، وزيادة القدرات الاستيعابية الخاصة بتنظيم وتخزين واسترجاع الصور.

(2) الظواهر الإعلامية الجديدة التي صاحبت الصورة الرقمية:

صاحب تبني وسائل الإعلام تكنولوجيا الصورة الرقمي العديد من الظواهر الجديدة من بينها ما يلي:
(أ) التصوير الرقمي: فبفضل الاعتماد على التصوير الرقمي، أصبح بالإمكان الحصول على الصورة بسرعة وجودة عالية وتكلفة أقل، وكذلك إرسالها لجهات عديدة في زمن يسير، وعرضها عبر وسائط مختلفة، كما تم الاستغناء عن أفلام التصوير الفوتوغرافي العادية، وكل العمليات المتصلة بتحميضها وطبعها وتكبيرها، حيث تتم معالجتها على الشاشة مباشرة، لتحسين درجة وضوحها، وزيادة التباين في ظلالها وألوانها ( السيد مصطفي،2003، 79). كما أصبح بمقدور المصورين الصحفيين البقاء فترة أطول في ميدان الحدث، ورؤية صورهم بشكل فوري، ومن ثم تأكدهم من حصولهم على اللقطة المناسبة للحدث، ولم يعد هؤلاء المصورون مضطرون للعودة لمؤسساتهم بسرعة، حيث أصبح بإمكانهم إرسال صورهم من ميدان الحدث، ولكن من ناحية أخرى، جاءت هذه الميزة على حساب كم الصور التي قد يقومون بالتقاطها، حيث قلت أعدادها من جهة، وزادت درجة تسرعهم في الحصول عليها، دون التأكد من جودتها، حيث تترك هذه المهمة لبرامج المعالجة الرقمية للصور، لتقوم بتعديل ما قد يكون بها من عيوب.
(ب) الغرفة المظلمة الرقمية: أسفرت المعالجة الرقمية للصور عن ظهور ما يعرف بالغرفة المظلمة الرقمية كبديل عن الغرف التقليدية، حيث حدث تحول جوهري في الاعتماد على شاشات الكمبيوتر كبديل عن المعالجات الكيميائية التقليدية. وقد عدد المصورين الصحفيين في دراسة Shahira and Smith, 2006)) مزايا هذه الغرفة، ومن بينها إمكانية طبع العديد من النسخ لذات الصورة بسهولة، وسهولة التخلص من المشكلات التي كانت تنجم عن العمل في الغرف التقليدية مثل الأكسدة والأغبرة وتلطيخ الملابس، فضلاً عن أن العمل على برنامج مثل فوتوشوب يعد عملاً أكثر يسرًا وسهولة، وإن قال البعض منهم أنهم يفضلون رؤية الصورة علي فيلم بدلاً من الكمبيوتر، وأن الغرفة التقليدية تتسم بحميمة أكثر، وأن فقدان خبرة العمل في الغرف التقليدية يفقد المصور الكثير من الخبرات، وقد أبدى هؤلاء مقاومة في البداية تجاه استخدام هذه التقنية الجديدة.
(ج) المعالجة الرقمية للصور: أتاح استخدام برامج المعالجة الفنية للصورة الفوتوغرافية العديد من المزايا أبرزها: إمكانية التحكم في درجة وضوح الصورة ودقتها وكثافتها البصرية ودرجة التباين فيها، وإمكانية حذف الخطوط والتفاصيل الزائدة في الصور، والقيام بعمل الرتوش الاليكترونية لها، وإمكانية إضافة التأثيرات إلي الصور، وإظهارها في شكلها النهائي على الشاشة لطباعتها أو تخزينها، وإجراء التصحيحات اللازمة للألوان وفصلها عن بعضها البعض، وإمكانية التحكم في مساحات وأحجام وأشكال الصور (مربعة، مستطيلة، بيضاوية)، وإمكانية قلب الصور وتغيير اتجاه الحركة فيها، والتحكم في زوايا الإضاءة في أجزاء منها، وإمكانية إنتاج الظلال، وإمكانية حذف أجزاء من الصورة وإضافة أجزاء خارجية إليها، مع إمكانية دمجها وتركيبها مع صور أخرى، وكذلك إبراز أجزاء منها وإضعاف أخرى، وغيرها من العمليات التي يطلق عليها تدوير الصورة، وإمكانية دمج الصورة في النص المكتوب، وكذلك المزج بينها وبين الرسوم بدلاً من عمليات القص واللصق التي كانت تستخدم سابقًا ( سمير محمود، 1997، 78-81)
(د) الأرشفة الرقمية الصور: ساعدت الأرشفة الاليكترونية للصور في تجاوز الكثير من المشكلات التقليدية في الحفظ، وصعوبة استرجاع بعض الصور، ولكن من ناحية، أدت لظهور مشكلة في أرشفة الصور نفسها(Bossen & et al, 2006)، إذ تضخمت أعداد الصور التي تحتاج لأرشفة، حيث تحصل المؤسسات الإعلامية على العديد من الصور بشكل يومي، فبينما كانت وكالات الأنباء مثلاً تزود هذه المؤسسات بخمسمائة صورة يوميًا، فإنها الآن تزودها بما يزيد عن خمسة الآلاف صورة، فضلاً عن الصور التي يتحصل عليها مصوريها، وتلك التي تأتيها من مصادر متنوعة، وقد تدور هذه الصور عن ذات الأحداث، وهو ما يُصعب عملية حفظ هذه الصور وأرشفتها واسترجاعها،وهو أمر لم يكن يحدث بهذا الشكل في الماضي. وتخشي بعض المؤسسات الإعلامية من فقدان هذه الصور، ومن عدم إمكانية استخدامها لاحقًا، كما تشتكى من كم الوقت المنقضي في المسح الضوئي لهذه الصور وحفظها ومعالجاتها وتنظيمها وأرشفتها، وحاجتها للعديد من وسائط التخزين المتنوعة، وفي دراسة Shahira and Smith, 2006)) أعرب المصورون عن خشيتهم من قلة المساحة المتوافرة لديهم لتخزين صورهم، ومن التحولات المتسارعة في تكنولوجيا حفظ الصور، كما اشتكوا من اضطرارهم لحذف بعض الصور، والتي قد تكون ذات دلالة والتي قد تساعد في توثيق الأحداث وتأريخها، فضلاً عن أن إجراء الكثير من التعديلات الرقمية على الصور، يصعب من قراءة وفهم وتحليل هذه الصور لاحقًا أو إعادة وضعها في سياقها.
(هـ) إدارة المعالجة الرقمية للصور: أدى تبني هذه المعالجة للتأثير على طرق إدارة عمليات معالجة الصور، حيث أصبح بمقدور المصور ممارسة قدرات أكبر في التحكم في معالجة الصور واختيارها، وهو ما أكدته دراسة (Shahira and Smith,2006). وفي دراسة ((Russial,2000، قال المصورون بأن حجم أعمالهم زاد، لكن التكنولوجيا وفرت لهم وقتًا يمكن استغلاله في التركيز على محتوي الصورة وأن قللت من جودة العمل، وقللت من عدد العاملين. وفي دراسة راسيل ووانتا خلصت إلى أن 97,8% من الصحف تستخدم التصوير الرقمي بنسب مختلفة، وأن 78,7% منها تستخدم التصوير الرقمي بنسبة 100% ( (Russial &Wanta, 1998:593-605.
ففي ظل نظام التصوير الرقمي لا توجد حاجة لمسح الصور الورقية على أجهزة المسح الضوئي لتحويلها إلى بيانات رقمية، حيث أصبحت العملية كلها تتم بشكل رقمي، وبسرعة، كما يمكن الاستغناء عن الأفلام الحساسة، والمواد الكيماوية اللازمة لإظهار الأفلام، وورق التصوير، مما يوفر تكلفة شراء هذه الخامات. كما يمكن المحررين من اختيار الصور عبر شاشات الكمبيوتر، وبعد ذلك يتم تخزينها لحين إعادة استخدامها دون أن تفقد شيئًا من جودتها( عبد الحميد& بهنسي، 2004،61-63 )
ومن ناحية أخرى، ساعد النقل الرقمي للصور الصحفية في تصحيح أي خطأ يحدث أثناء النقل، والمحافظة على نقاء وكفاءة الصورة على الرغم من تعدد عمليات الاستنساخ من الأصل نفسه، ومساعدة المصورين في إرسال العديد من الصور من موقع الحدث، وتحقيق التوازن بين الأنواع المختلفة للصور، واختصار الوقت اللازم للنقل الرقمي للصورة، كما يمكن إجراء العمليات الخاصة بضبط وتعديل الصور بما يتفق ونوع الحبر والورق وطريقة الطباعة المستخدمة في طبع الصحيفة. ( عبد الحميد& بهنسي، 2004،62)
(و) التحرير الإليكتروني للصور: أتاح استخدام نظام التصوير الرقمي إمكانية إجراء عمليات تحرير الصور اليكترونيًا، فبمجرد وجود الصور في جهاز الكمبيوتر الملحق بالكاميرا يمكن معالجاتها بتكبيرها أو تصغيرها، وزيادة درجة التباين في درجاتها الظلية مما يساعد على تحسين جودتها، والقيام بعمليات القطع وكتابة كلام الصورة وغيرها من المعالجات اللازمة، وذلك من خلال مجموعة من أدوات التلوين والتحرير الإليكترونية التي تتميز عن نظيرتها التقليدية، بأنها أكثر مرونة ( عبد الحميد& بهنسي، 2004،62). ولكن هل تختلف المعالجة الرقمية للصور عن كتابة النصوص، فالبعض يرى أن قواعد الكتابة تنطبق على تحرير الصورة، وأنه مثلما يتم إعادة صياغة وترتيب الكلمات، فإن الصورة الرقمية تحتاج أيضًا إلي مثل هذه الإجراءات. فالمعالجة الرقمية للصور تشبه محاولات الصحفيين جذب الجمهور لقصصهم من خلال تزيين عناصر القصة، فمثلما يركز المحرر على العنصر الأكثر جاذبية، فإن محرر الصور يركز أيضًا على ما يجذب الجمهور.ومن ناحية أخرى، تتباين الرؤية إزاء الدور التقليدي لمحرر الصور الذي يقوم باختيار الصور الصالحة للنشر أو البث، حيث يرى البعض أنه أصبح من المحتم تجاوز دوره، وتخويل بعض مهامه لآخرين، بينما قال بعض المصورين في دراسة (Shahira and Smith,2006) أن تراجع دور محرر الصور قد يؤثر على دقة وجودة الصور التي يتم اختيارها.
(6) تغيير كلام الصور: تهدف الصحف من كتابة كلام للصورة إلى مساعدة القارئ على زيادة درجة تقبل الصورة، واستيعاب شكلها، وفهم مضمونها. ولكن المشكلة تتأتي عندما لا يقف تعليق الصورة عند حد وصف ما فيها، لتصف شيئًا آخر، كما تتأتي عند محاولة محرر الصورة لفت انتباه القارئ إلى جانب معين في الصورة يرى أنه يستحق التركيز عليها من وجهة نظره، وكذلك تتأتي عندما يفتقر إلى الوضوح، أو يقوم على التخمين أو التحوير أو الاستنتاج، أو إذا ما اتصف بالعمومية، أو خداع القارئ بالقول بأن الصورة حديثة بينما هي ليست كذلك. وقد يفتقر للدقة، وقد يصف كلام الصورة الحادث في حد ذاته وليس الحادث كما هو ظاهر في الصورة، وهو ما قد يصيب القارئ بالحيرة. وبالرغم من ذلك، فإن كلام الصورة ضرورة -كما ينص ميثاق الجمعية القومية الأمريكية لمصوري الصحف- وخاصة في حالة استخدام مؤثرات لعمل رسم مصور، وكذلك في حالة ما إذا كان التكنيك المستخدم يصعب على القارئ العادي فهمه أو ملاحظته، وإن رأت صحيفة الواشطن بوست عدم نشر الصور التي يتم تعديلها، ويكون كلام الصورة ضروري لفهمها.
وبينما يسرت التكنولوجيا إدراج كلام الصورة في عدة مواضع على الصورة، فأنها قد تؤدي لعدم ظهور بعض أجزائها، كما قد تؤدي لكتابة كلام غير صحيح أو مضلل أو خاطئ عن الصورة، أو زيادة حدة الأخطاء، سواء نتيجة السرعة في كتابة كلام الصورة، أو لترك مهمة معالجة الصورة وكتابة كلامها لأحد الفنيين أو لقيام محرر الصورة بكتابة كلامها بدون النظر إلي أصل الصورة، ولكن بعد معالجتها. ومن بين الأمثلة الشهيرة على تغيير محتوى الصورة من خلال كلام الصورة ما قامت به مجلتي نيوزيوك والتايمز عند نشرهما لصورة اللاعب الأمريكي الشهير أوجي سيمبسون الذي اتهم بقتل زوجته وعشيقه، فقد كان كلام الصورة يوحي بإشارات عنصرية ضد المتهم. وتثير قضية كلام الصور تباينًا بين فريقين، إذ بينما لا يوافق الفريق الأول على كتابة نصوص على الصورة ذاتها، خشية إخفاء أجزاء معينة في الصورة، فإن الفريق الأخر لا يري غضاضة في ذلك، وخاصة في أغلفة المجلات، حيث يتطلب الإخراج والتصميم الجيد للمجلات التعامل مع أكثر من عنصر في وقت واحد وتوظيفهم معًا.
(ز) العلاقة بين التغطية المصورة والرسوم المصورة: أدت المعالجة الرقمية للصور إلى إثارة قضية جديدة في العمل الإعلامي، تتعلق بالتفرقة بين التغطية المصورة Photographic Reporting أو الصور التحريرية Editorial Photos والرسوم المصورة Photo Illustration، حيث أصبح سهلاً في ظل هذه المعالجة، إضافة بعض التعديلات الرسومية أو الرمزية على الصور، والتي قد تخرج بها عن أصلها، مما قد يثير حيرة القارئ، ويثير تساؤلاًت على حق الجمهور في تنبيههم في حال حدوث مثل هذه التعديلات، مع الإشارة إلى أن العمل المعروض عليهم ما هو إلا رسوم مصورة. ومصطلح الرسوم المصورة غالبًا ما يستخدم في المجلات، للإشارة إلى أن الصور المنشورة بها قد تكون عرضة لعمليات إعادة الرتوش، وأنه قد تم تطبيق بعض المؤثرات التي تحولها إلي عمل فني، وإن كانت في أغلب الأحوال لا تمثل شيئًا حقيقيَا. ومن ناحية أخرى، فثمة فارق بين التغطية المصورة، والتي تعد شاهدًا على الحدث، وبين الرسم المصور، والذي تمت إضافة بعض الأشياء إليه أو اجتزاء عناصر منه، وهو ما لا يحظي بموافقة الإعلاميين، بسبب خطورته، واعتباره بداية مرحلة إثارة الشك في عقلية القارئ إزاء مصداقية الصور،ولعدم قدرة القارئ العادي على التمييز بين الرسوم المصورة والتغطية المصورة، فضلاً عن تقويضه للفواصل بين الصور والرسوم.
ويعد استخدام الرسوم المصورة، أمرًا شائعًا في مجلات الموضة، وتقوم الفكرة على أساس أن قراء هذه المجلات يتوقعون قيامها بإجراء تعديلات في الصور، ففي دراسة جيمس كيلي ودونا ناس رأت عينة الدراسة أن الصورة الرقمية يمكن أن تكون مقبولة إذا جاءت في السياق المنطقي الذي يتماشى مع خبرات المتلقي وإدراكه للعالم والأحداث من حوله Kelly & Nace, 1994:4، وفي دراسة شيلا ريفز Reaves أعرب الصحفيون عن موافقتهم إلى حد ما تجاه إجراء تعديلات على الرسوم المصورة (Reaves 1995,706-715). ولكن غالبًا ما تتباين وجهات النظر حول هذه القضية بين فريقين، الأول يدافع عن استخدام الرسوم المصورة، بزعم أن صورة واحدة لم تعد كافية لنقل التفاصيل الدقيقة للحدث، وأنه من المهم القيام بمعالجات للصور لنقل التفاصيل الغائبة أو التي تحتاج لتأكيد، وأنه لا توجد مشكلة في استخدامها طالما يتم تنبيه القراء إليها، كما أن أغلفة المجلات تعد استثناءًا في هذا الأمر، فإن الفريق الأخر لا يوافق على استخدام الرسوم المصورة، مشيرين إلى أن القواعد الأخلاقية التي تنطبق على الفنون الصحفية الأخرى تنطبق وبنفس الدرجة على الرسوم المصورة، وأنه مثلما لا يجوز التلاعب بالمضمون، فإنه أيضًا لا يجوز التلاعب بالصورة، وأن أخلاقيات معالجة الصورة تنطبق على كل الصور بغض النظر عن موقعها داخل الصحيفة أو المجلة.
(ح) الصورة الإعلامية الرقمية المتحركة والفيديوية: وهي صور تظهر أمام أعين الناس خلال فترة معينة ليس فقط بشكلها الجسماني، ولكن أيضًا بحركاتها وكلامها وسلوكها، وهي صور تتعرض للتشويه مثلها مثل الصور الثابتة. وقد يكون هذا التشويه مباشرًا، وذلك عند إجراء عمليات المونتاج، وتقطيع المناظر المصورة وتجميعها كإجراء يقتضيه إخراج العمل في صورته النهائية، وقد تؤدي هذه العمليات إلي تغير من الوضع الذي ظهر به الإنسان عند تصويره، وبالتالي تعطي فكرة غير صحيحة عن شخصيته، وهو ما يثير تساؤلاً حول كيفية التوفيق بين حق الإعلامي في إجراء المونتاج من جهة ومقتضيات حق الإنسان في صورته واحترام شخصيته من جهة أخرى، والأمر أن هذا الحق مقيد بعدم توليد انطباع غير صحيح لدي المشاهد عن حقيقة الحدث. أما التشويه غير المباشر، فيتم عن طريق تحويل الصور المتحركة إلي صور فوتوغرافية ثابتة، ولذلك يمكن بسهولة اجتزاء أحد هذه الصور من الفيلم ونشرها بعيدًا عن سياق الفيلم الذي وردت فيه، سواء نشرت وحدها أو مقترنة بصورة أو بصور أخري ثابتة، وبهذه الطريقة تظهر الصورة الواقع بشكل مغاير(سعيد جير، 1986، 37-40). وفي الآونة الأخيرة، انتشرت ظاهرة التلاعب بالصور المتحركة، وخاصة على الإنترنت، وهو أمر يترك تأثيراته الضارة، في حال لجوء المواقع الإعلامية، للتلاعب بالمشاهد المرئية المصورة، مما قد يخلق انطباعا خاطئًا عن حدث ما. ومن ناحية أخرى، يمكن تحويل أي تسجيل تناظري إلى تسجيل رقمي،كما أن صور الفيديو التناظرية والرقمية تبدو متشابهة على الشاشة، ومن ثم تكون القابلية للتدقيق الملازمة لكليهما متقاربة، لكن القابلية للخداع والتزييف موجودة أكبر في الصور الرقمية. ومن أشهر البرامج المستخدمة في هذا المجال، هو برنامج "بريميير"، وإن كانت لا تزال هناك الكثير من الإشكاليات الفنية والقانونية المتعلقة بكيفية إثبات حدوث تزييف وتلاعب في نص الفيديو الأصلي، وحقوق الملكية الفكرية.
(ط) الذوق التحريري في مقابل المشكلات الأخلاقية Taste Vs Ethics: من الظواهر التي تثيرها المعالجة الرقمية، قضية تحكيم الإعلاميين لأذواقهم ورؤاهم الشخصية في الحكم على بعض الصور، ففي أحيان كثيرة يثير نشر بعض الصور الكثير من الجدل، مثل نشر صور لجثث موتى، وبينما يري البعض أن مثل هذه الصور تدخل في باب الذوق الشخصي أكثر منها في باب إثارة مشكلات أخلاقية، إلا أن الأمر يتوقف على مدى تقبل الجمهور لمثل هذه الصور، وكل الدلائل تشير إلى أنه لا يرغب في رؤية صور لجثث مثلا. كما تثير هذه القضية المخاوف من خلق مشكلات أخلاقية تؤدي لخداع للجمهور من جهة، كما قد تؤدي لفرض أذواق بعض الصحفيين على الجمهور، ونشر صور عن العنف والدم والجنس والأشكال الأخرى المزعجة للعين (Lang,1999)، وبالرغم من عدم الاتفاق على مثل هذه الأمور، إلا أنه قد يكون مقبولاً نشرها، بشرط عدم التلاعب في مكونات الصورة، أو عرضها في صور تجميعية أو تعديلها بطريقة تؤدى لتزييفها سواء عن طريق الإضافة أو الحذف أو الإبدال وإعادة الترتيب.
(ك) التنويه للتعديلات في الصورة:اعتادت وسائل الإعلام على إجراء العديد من التعديلات على الصور، كما اعتادت على استدعاء صور قديمة لأشخاص أو أحداث وتوظيفها في أحداث حالية، وخاصة في حال عدم توفر صور عن الحدث الذي تقوم بتغطيته،باستخدام ما يعرف بالصور المجمعة أو المكدسة Stacked Images، بيد أن كل هذه الممارسات تثير العديد من التساؤلات حول ضرورة تنبيه الجمهور في حال حدوث تعديلات على الصورة، وتحت أية ظروف ينبغي إعلام أو تنبيه القارئ لحدوث مثل هذه التعديلات، بغض النظر عن مداها، ومدى قبول الجمهور لحدوث تعديلات في الصورة، ومدى موافقته على محاولات زيادة القيمة الخبرية للصور. وفي الدراسة التي أجراها كل من (Reaves & Hitchen, 2004) رأت العينة عدم وجود ضرورة لوضع تنويه أو تحذير عند التلاعب بالصورة، ولكن هذه الدراسة تمت على مجلات الموضة، وهي مجلات يتوقع فيها الجمهور حدوث تلاعب بالصورة.وعامة، ينبغي تنبه الجمهور في حالة حدوث تعديلات على الصورة، وخاصة إذا كانت تغير في محتواها.
(م) الوسائل الإعلامية الجديدة وصناعة الصورة الإعلامية: مع اندماج وسائل الإعلام التقليدية والإليكترونية بفضل استخدام اللغة الرقمية، أصبحت الصورة الإعلامية تجد لها متنفسًا في بيئات متنوعة، كل منها يفرض عليها تقاليده وطرقه في العمل، مما جعل ذات الصورة تتشكل وتتلون بأردية مختلفة وفقًا لطبيعة الوسيلة، وهو ما قد يثير تساؤلات حول تأثير البيئة الإعلامية على الصورة، وحدود التوفيق بين مقومات الوسيلة وبين خصائص الصورة. ومن ناحية أخرى، فإن هذه الاندماج أدى إلي زيادة عدد المساهمين في صناعة الصورة الإعلامية الرقمية وفي مقدمتهم وكالات الأنباء وكالات الخدمات الصحفية المصورة، كما بدأت وسائل الإعلام تستقي مادتها المصورة من الأفراد العاديين، ومن أصحاب مواقع البلوجرز وغيرهم، وقد لا يتوفر لبعض هؤلاء الأفراد الخبرة المهنية، وهو ما قد ينعكس بالتالي على أخلاقيات الصور الإعلامية المستخدمة.
(و) حرية الصورة الإعلامية الرقمية: بينما وفرت المعالجة الرقمية الكثير من المزايا للصور، فإنها أيضًا سهلت عملية فرض رقابة عليها، وحجب بعضها عن النشر، وإمكانية التلاعب بمكوناتها بما لا يتيح إظهار الحقيقة كاملة. ومن ناحية أخرى، فإن إمكانية توافر الصورة في أكثر مكان، وإمكانية تبادلها بين أكثر من طرف، قد حد من إمكانيات فرض حظر على نشر بعض الصور، وصعب إمكانية حذف الصور من جهة معينة، حيث تتوافر ذات الصورة في أماكن مختلفة. ومن ناحية ثالثة، فإن التوافر الغزير للصور، قد خلق توجهًا جديدًا يقوم على أن المنع والحظر لم يعدا بأفضل طريقة لمراقبة الصور وحجبها، بل توزيعها بغزارة وبوتيرة متصاعدة، لإن الجمهور يفقد التركيز في لهثه وراء إيقاع الصور المتسارعة.
(ن) برامج صناعة الصورة الإعلامية الرقمية: الفوتوشوب:
أثار برنامج فوتوشوب منذ بداية ظهوره في عام 1990 الكثير من التساؤلات حول تأثيراته الأخلاقية على المعالجات الرقمية للصور، حيث يوفر العديد من الأدوات التي تتيح إخراج وإنتاج ومعالجة الصور بطريقة يمكن أن تحسن المنتج النهائي للصورة، بيد أنه في ذات الوقت يوفر إمكانيات كثيرة للتلاعب بالصورة. ففي أواخر الثمانينيات من القرن العشرين قام تواس نول Thomas Knoll بتصميم برنامج كمبيوتر يقوم بفتح وعرض أنواع مختلفة من ملفات الرسومات علي جهاز ماكنتوش بلس، وكانت هذه هي البداية المتواضعة للبرنامج الذي تحول فيما بعد ليصبح "فوتوشوب", أقوي برنامج الرسومات، ثم قاما بجمع الأكواد المتناثرة لإنشاء برنامج متكامل لمعالجة الصور الرقمية، مع العمل على زيادة القدرة على تخزين الصور بصيغ مختلفة، وفتح ملفات الصور في برامج أخرى وطباعتها..الخ. وبعد عدة محاولات قاما بإنتاج برنامج Image Pro وكان ذلك في عام 1988م، إلى أن تم إصدار نسخAdobe Photoshop1ِ في فبراير 1990م بعد الاتفاق مع مجموعة Adobe. وبعد مرور فترة وجيزة, ومن خلال الجهد المشترك للأخوين من ناحية ولمبرمجي شركة أدوبي من ناحية أخري, بدأ فوتوشوب يتطور ليصبح البرنامج الذي فجر ثورة عالم النشر بالألوان، وعملية الإعداد لما قبل الطباعة, وإنشاء الوسائط المتعددة والرسوم المتحركة, والتصوير الفوتوغرافي الرقمي والرسم.
وتساعد أدوات الرسم في البرنامج في إنشاء وتلوين الأشكال، كما أن به العديد من البدائل التي تساعد في خلق أشكال جذَّابة، وإنشاء تكوينات متنوعة، يمكن استخدامها في عمليات التلوين باستخدام اللون الأمامي Foreground (Brush)، ولرسم خطوط صلبة مصمتة أو أشكال، على حسب الفرشاة المستخدمة ( Pencil) ولإنشاء تدريجات لونية متنوعة تتوقف على اختيارات الأداة ( Gradient) ولملء المساحات باللون الأمامي Foreground أو باستخدام نموذج Pattern ( Paint Bucket) ولإنشاء مساحات لونية مختلفة الأشكال.
ويتضمن البرنامج عدة أدوات لتحرير الصورة على درجة عالية من الأهمية، يمكن من خلالها معالجة ما يظهر في الصور من عيوب، وكذلك تعديل وإصلاح الصور التي تعرضت لأضرار بسبب العوامل الزمنية أو لسوء استخدامها، بالإضافة إلى إضافة تأثيرات خاصة، فمثلاً تستخدم الأداة Move لتحريك العناصر، والأداة Crop لقصّ جزء من الصورة، وبالأداة Clone Stamp يمكن النقل من إحدى مناطق الصورة لأخرى، والأداة Pattern Stamp تستخدم للمعالجة باستخدام نموذج Pattern، والأداة Healing Brush لمعالجة الخدوش أو الكرمشة في الصورة، والأداة Patch لمعالجة مناطق من الصورة باستخدام مناطق أخرى، والأداة History Brush للتراجع في منطقة معينة إلى مرحلة من المراحل السابقة للصورة، والأداة Art History Brush للتراجع في منطقة معينة إلى مرحلة من المراحل السابقة للصورة، مع إضافة تأثير زخرفي، والأداة Eraser لمحو الأجزاء غير المرغوبة من الصورة، والأداة Background Eraser لمحو المساحات المحيطة بالأشكال، مع الإبقاء على الأشكال حادَّة الحواف، والأداة Magic Eraser لمحو المساحات على أساس اللون، والأداة Blur لتشويه نقاط الصورة وجعلها غير واضحة Out of focus، والأداة Sharpen لتوضيح نقاط الصورة Focus، والأداة Smudge لمزج ألوان الصورة مع حدوث تداخل، والأداة Dodge لتفتيح الصورة، والأداة Burn لتغميق الصورة، والأداة Sponge لزيادة أو إقلال درجة تشبُّع ألوان الصورة Saturation. كما يوفر البرنامج العديد من الأدوات التي تساعد في تحديد الصورة Selection، والتي تساعد في تحديد أي مساحة من مساحات الصوَر. كما يمكن تقريب أو إبعاد للصورة، وإضافة تأثيرات عليها Effects؛ وطبقات Layers. ومن بين هذه التأثيرات ما هو مسئول عن الظل Drop Shadow، ومنها ما هو مسئول عن إنشاء هالة ضوء حول العنصر Glow، ومنها ما هو مسئول عن تحقيق بروز Bevel and Emboss، وغيرها.
وبرنامج فوتوشوب ليس هو الوسيلة الوحيدة التي تستخدمه الصحف والمجلات، فقد قامت الصحف بعمليات تلوين الصور منذ فترة طويلة قبل اختراع برامج تحرير الصور، بيد أنه أصبح أكثر البرنامج استخدامًا في العديد من وسائل الإعلام، وقد أشارت دراسة راسيل ووانتا إلى أنه يوجد فيما يزيد عن 95% من الصحف الأمريكية، بيد أن بعض وسائل الإعلام تضع حدودًا وقيودًا على استخدام كل إمكانيات البرنامج، فوكالة الأنباء رويترز على سبيل المثال تؤكد على عدم استخدامها لكل إمكانيات البرنامج، وإن اهتمامها به يقتصر على عناصر محددة، وهي تلك المتعلقة بقص الصورة وإعادة تحجميها وضبط ألوانها، مع النظر للون باعتباره مجرد أداة للعرض وليس لتغيير الوقائع. ومن بين القواعد التي تضعها لنفسها فيما يتعلق باستخدام الفوتوشوب أنه لا يجوز استخدامه لوضع أية إضافات على الصورة أو حذف بعض أجزائها أو ممارسة أية نوع من الخداع على القارئ أو التلاعب بالتوازن اللوني في الصورة أو لتغمية بعض العناصر في الصورة أو تغيير سياقها، كما لا تسمح الوكالة للعاملين بها باستخدام أداة الاستنساخ، وبما يؤدي لتغيير محتوى الصورة، وهو ما يعني إزالة، أو تحريك أو تكرار أو إضافة شئ للصورة.
ومن أدوات الفوتوشوب ما يمكن أن يؤثر في المشاعر الناجمة عن رؤية الصور بعد معالجاتها مثل اقتطاع جزء من الصورة، ومنها ما يمكن أن يؤثر على محتوى ومكونات الصورة مثل أداة الاستنساخ Clone. وبينما قد يعد مقبولاً استخدام الأدوات الأولي، فإنه ينبغي الحذر من الأدوات التي تؤثر على محتوي الصورة، فأداة cloning tool (أداة الاستنساخ) تعد من أبرز أدوات البرنامج التي تثير جدلاً، فهي من بين الأدوات غير المقبول استخدامها في عدد كبير من وسائل الإعلام، والشئ الوحيد المقبول في استخدامها هو إزالة غبار الصور. ومن الأمور الأخرى التي قد تؤثر على مصداقية الصور ما يتعلق بإعادة تأطير الصورة في سياق مخالف framing. ومن بين الاستخدامات التي يمكن القيام بها ببرنامج فوتوشوب، كما رأت جمعية مصوري البيت الأبيض هي الاقتطاع والتعتيم والتفتيح وتحويل الصورة للون للرمادي أو ضبط ألوانها، ولكن لا يجب إحداث تغييرات كبيرة فيما يتعلق بالكثافة، والتباين، وإضافة اللون، وتغيير درجة التشبع، وكذلك عدم تغيير المشهد الأصلي أو الخلفية للصورة. ويرجع مبرر الموافقة على ضبط الإضاءة والتعتيم ووضوح الصورة وقطع الأجزاء غير المرغوبة على الجوانب وأسفل وأعلى، إلى أن القارئ يتوقع وجود بعض العناصر خارج هذا الإطار.
ومن الجوانب الإيجابية في البرنامج، أنه يمكن توظيفه لأغراض تنويرية، وليس مجرد إزالة العيوب أو الهجوم على الآخرين أو التلاعب بمكونات الصورة، كما أنه يسمح لوسائل الإعلام بطرح نفسها بآردية مختلفة، وبشكل مميز عن غيرها. وبالرغم الايجابيات التي أضافها البرنامج على العمل الصحفي والإعلامي، فإنه جلب الكثير من الإشكاليات الأخلاقية التي تؤثر في مصداقية الصحافة ووسائل الإعلام، وفي نزاهة الصور التي تعرضها، كما جعلنا أكثر ميلا لفقدان الاحترام للصور التي نقوم بالتلاعب بها،وكذلك يثير جدلاً سياسيًا أو اجتماعيًا، فالإمكانيات الديمقراطية لفوتوشوب تساعد على إرتكاب الأخطاء، ولذا يسعى بعض المبرمجين لتصميم تقنيات للكشف عن حالات الزيف والتلاعب التي تتم بواسطة مثل هذا البرنامج ( (Rozen, 2005.

المبحث الرابع: الجوانب الأخلاقية للصور الإعلامية الرقمية:

مثلت الأبعاد الأخلاقية والقانونية لاستخدامات الصورة الإعلامية مجالاً مهمًا لدراستها، وذلك لأهمية الصورة، وللأدوار العديدة التي تؤديها في المجال الإعلامي، وللتطورات المتسارعة في عمليات إنتاجها وخاصة فيما يتعلق بالمعالجة الرقمية للصور. وفي هذا الصدد، تطرح مناقشات وتساؤلات واسعة النطاق حول أخلاقيات الصور الإعلامية الرقمية، وأشكال معالجاتها، وهل من السهولة الكشف عن أي تغيير أو تعديل يتم في معالجاتها؟ وما هو تأثير تركيب عدة صور معًا على حقوق الملكية الفكرية؟ وما هي العوامل التي يجب وضعها في الاعتبار عند إجراء تعديلات على الصور، وما هي طبيعة التأثيرات الاجتماعية الناجمة عن المعالجة الرقمية للصور، وإلى أي مدى يمكن توظيف التقنيات المختلفة المتوافرة في برامج معالجة الصور، ومتى يمكن القول بأن الصورة صادقة؟ وما هي الحدود الفاصلة بين ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي؟، وتحت أية ظروف ينبغي تنبيه الجمهور عند حدوث تعديلات في الصورة؟

(1):تتعدد طرق المعالجات الرقمية للصور ولكل منها تأثيراتها الأخلاقية المرغوبة وغير المرغوبة،ونستعرض فيما يلى أبرز هذه المعالجات:

(أ) عملية الفوتومونتاج Photomontage: وهي أخطر عمليات تغيير ملامح الصورة، وهى تقوم على الحذف أو الإضافة أو التركيب أو كلهم معًا، وقد تكون حسنة النية. وتهدف إلى مجرد تقديم مشهد معبر، وقد تهدف إلى تشويه صورة ما، وتقديم انطباع سيئ عن موضوع أو أشخاص في داخل الصورة أو مجموعة من الصور. وتتم عملية الفوتومونتاج عن طريق عمليات قص أجزاء من أكثر من صورة ثم تركيبها معًا ثم طبعها في النهاية كصورة واحدة– وهو نفس تكنيك المونتاج السينمائي الذي يضع لقطة قبل لقطة أو بعدها ليعطي تأثيرًا معينًا ( محمود علم الدين، د.ت، 51)- وعامة يؤثر منطق ترتيب المشاهد المصورة على القيم التي تحملها، لذا لا يجب تغيير منطق ترتيب الصور بما يؤدي لمعاني غير حقيقية.
(ب) عملية الاقتطاع من أجزاء الصورة Cropping: وهى عملية يتم من خلالها تحرير أو حذف أجزاء من الصورة لزيادة الاهتمام بها أو تغيير نسبها أو حجمها أو مساحتها. كما تعنى أيضًا عملية التقطيع الرمزي ( الجمالي) للصورة الأصل لحذف الأجزاء الزائدة( محمود علم الدين،85-86). وهي عملية أساسية في معالجة الصورة، وهى تتم على مراحل بعضها يقوم به المصور عند تحديد جزء معين من المشهد للتركيز عليه، كما قد تتم بعد التقاط الصور، حيث يتم استبعاد جزء من الفيلم أو اقتطاعه رقميا، وتحديد أحجام الصور ومساحتها Cromey, D.W, 2002)).
وبينما لا يوافق البعض على القيام باقتطاع أجزاء من الصورة، خشية إخفاء حقائق معينة أو عدم بيان عناصر الصورة بأكملها، فإن البعض الثاني يرى أن اقتطاع الصور وضبط حجمها أو مساحتها يعد عملاً ضروريًا في العمل الإعلامي، لكي تتناسب مساحتها مع المساحة المخصصة لها، وأنه غالبًا ما يتم بغية التركيز على أهم بعد في الصورة، وكذلك حتى لا يتم إلهاء القارئ في النظر على الأجزاء غير الضرورية، كما أن الأمر يتوقف على مضمون الصورة، فإذا كان المضمون قويًا، استوجب ذلك أن تكون الصورة كبيرة، والعكس صحيح.
(ج) الإضاءة والتلوين: من بين المعالجات الرقمية المتعلقة بالتلوين والإضاءة ما يعرف بالتعتيم أو تفتيح بعض مناطق الصورة. والتعتيم يعمل على زيادة المناطق الداكنة أو المظلمة في الصورة، وعكسه هو التفتيح، وهما عمليتان منفصلتان حتى أن بعض الصحف والمجلات تقيدان العمل بكلتياهما معًا، ففي مجلة النيوزيوك يقيدون أنفسهم إما بتفتيح أو تعتيم الصورة الإخبارية مع عدم السماح بإتمام العمليتين معًا. وقد يتم تعمية الخلفية أو إزالتها cutout أو تغييرها أو وضع عناصر الصورة في إطار خلفية مغايرة للخلفية الأساسية التي التقطت. وأحيانًا ما يتم تعديل المساحة اللونية لعناصر الصورة، ومعايرتها لكي تتشابه مع واقعها بقدر الإمكان، وكذلك القيام بعمليات زيادة أو إنقاص للتشبع اللوني في الصورة، وتعديل المساحة اللونية وكنه اللون، وكذلك تحويل الصور الملونة إلى أبيض وأسود باستخدام قنوت لونية منفصلة ((Cromey, 2002.
ومن أشكال التعامل مع الإضاءة والتلوين أيضا ما يعرف بإزالة العين الحمراء، والتي هي عبارة عن بقعة حمراء تظهر في الصورة ناجمة عن استخدام فلاش الكاميرا أحيانًا. وتطرح هذه الحالة تساؤلاً حول مدى جواز معالجاتها، فبينما يرى البعض أن تغيير أي شئ في الصورة يعد أمرًا غير مقبول، فإن البعض الأخر يري إمكانية القيام بذلك، باعتبار أن هذه البقعة لم تكن لتظهر على وجه الشخص ما لم يتم تصويره. وفي دراسة لـ ( SharQ,2006)قال معظم المصورين أنهم لا يرون غضاضة في تصحيح العين الحمراء في الصورة، باعتبار أنها من التعديلات العرضية في الصورة، وليست تعديلات جوهرية تغير معني الصورة.وبالرغم من أنه قد يكون مقبولاً أحيانًا ضبط الدرجات اللونية للصورة لتأكيد بعد معين في الصورة، فإن بعض الصحف تتحفظ على تغيير ألوان الصورة عما كانت عليه في الواقع.
(د) اصطناع الأحداث المصورة re-enactments: أحيانًا ما تقوم بعض وسائل الإعلام باصطناع أحداث مصورة، لا تتم للواقع بصلة، من خلال تجميع بعض العناصر مع بعضها أو تحريك بعضها، وأحيانًا ما تقوم باستخدام صور تم التقاطها في أماكن مختلفة وتوقيتات مختلفة وتقديمها على أنها تمثل وقائع حدثت في توقيت حديث، وقد يحدث هذا عندما لا يلحق المصور بالحدث، مما يجعله يقوم بإعادة صياغة للحدث سواء من مخيلته أو من خلال الجمع بين بعض الحقائق والتصورات، إلا أنها تؤدي في النهاية إلى نقل أحداث قد لا تقترب كثيرًا من الواقع. ومن طرق اصطناع الأحداث المصورة أيضًا، إظهار المشاهد المصورة، وكأنها تمثل أحداث عفوية أصلية وليست اصطناعية، وكذلك صناعة الصورة من مشاهد لآخرين، copy catting، حيث يتم أخذ صورة من مشهد قام بالتقاطه شخص أخر.
(هـ) أداة الاستنساخ: وهي أداة تقوم باستبدال جزء من الصورة بمناطق أخرى من ذات الصورة، متجاوزة مجرد إصلاح بعض العيوب إلى استنساخ أجزاء من الصورة. وفكرة الأداة تقوم على تكرار جزء من الصورة، وهو أمر غير مقبول، مثلما حدث عند قيام مصور وكالة رويترز بتكرار مشهد الدخان المندلع من أحد المباني ببيروت، للإشارة إلى فظاعة الاعتداءات الإسرائيلية. وأحيانًا يصعب اكتشاف هذا التكرار. وبصفة عامة لا تسمح مؤسسات إعلامية عديدة للعاملين بها باستخدام هذه الأداة، إلا لإزالة الغبار من الصورة.
(6) محتوى الصورة: يكاد يتفق معظم المعنيين بأخلاقيات الصورة، على عدم جواز تغيير محتوى الصورة، سواء بإضافة بعض العناصر، أو إزالة بعضها. ويشترطون لإحداث أي تغيير في المحتوى أن يكون لأغراض إبداعية كوضع تأثير خاص على القصة، ولكن يجب الإشارة لذلك في كلام الصورة، مع التأكد من قدرة القارئ العادي على فهم التغيير، وعدم تأثيره على سياق الصورة. وبالرغم من الاتفاق على أن المصورين هم مبدعين في المقام الأول، وأنه يجب السماح لهم بدرجة من الإبداع، إلا أن ذلك لا يتناقض مع الحقيقة القائلة بأن تغيير محتوي الصورة يعد خداعًا للجمهور.

(2) القضايا الأخلاقية ذات الصلة باستخدام الصور الرقمية إعلاميًا:

(أ) قضية المصداقية والتلاعب بالصور:
تمثل المصداقية متغيرًا وسطًا بين الإعلام والتأثير في الرأي العام، وقد اهتمت دراسات عديدة بتحليل الآثار السلبية التي تترتب على فقدان وسائل الإعلام لمصداقيتها، والتي تمثل الأساس الفعال لتأثيراتها. وتأتي قضية مصداقية الصورة في مقدمة القضايا الأخلاقية التى أثارتها المعالجة الرقمية، حيث بدأت تأخذ بعدًا جديدًا. فبينما كان النقاش يدور في الفترات الماضية حول مدى مصداقية الكاميرا ذاتها في نقل الحقيقة والصدق، وهل الكاميرا لا تكذب؟ إلا أن النقاش انتهى للقول بأن هذا الأمر بعيد عن الحقيقة. وعلل الكثيرون ذلك بأن الصورة لا تصور الحقيقة كاملة إذ التقطت لتعبر عن موضوع ما، كما يمكن تغيير الصورة بواسطة الرتوش، بل أن مجرد اختيار صورة وليس أخرى هو دليل على تحيز متعمد من المصور وقت الالتقاط، والمحرر عند المفاضلة بين عدة صور تم التقاطها.
وقد أثيرت قضية المصداقية بكثافة بفعل الإمكانيات الكبيرة التي توفرها المعالجة الرقمية للتلاعب بالصور، بأشكال وطرق مختلفة من جهة، ومتجددة من جهة أخرى مع تطور برمجيات المعالجة. وإن كانت هناك محاولات سابقة للقيام بمثل هذا التلاعب، حيث لم يمر وقت طويل بعد اختراع التصوير، حتى بدأت بعض المحاولات الهادفة للتلاعب بالصور، وتغيير محتوياتها، منها محاولات تقوم على إعادة معالجة الصورة باليد، وقيام بعض المصورين بإعادة تركيب الصور المطبوعة في الغرف المظلمة، وضبط التباين في الدرجات اللونية للصورة، و تفتيح وتعتيم بعض أجزائها، وكذلك إزالة الغبار من الصور، واستخدام بعض الفلاتر بين مصدر الضوء والورقة التي يتم الطبع عليها.
ومن بين البدايات الأولي للتلاعب بالصور قيام مصور ألماني في عام 1840 بإعادة تلوين بعض الصور السالبة( Lester, 1991) ، ووضع رأس لينكولن على جسم سياسي أخر هو جون كالاهان عام 1860، ومسخ أعداء ستالين من صورة تجمعهم في بدايات القرن العشرين. ولم يقتصر التلاعب على الصور في المجتمعات السلطوية فقط، بل حدث أيضًا في المجتمعات الليبرالية. وبينما كانت عمليات التلاعب هذه تتم في إطار من الإبداع والتجديد، ومن باب إضافة بعض الجماليات والحيل على الصورة، فإن هذه الممارسات القديمة لم تصبح مقبولة وخاصة في وسائل الإعلام التي أزداد تأثيرها وفعالياتها، كما تحولت وظيفة الصور للقيام بمهام أخرى.
ولكن البداية الحقيقية للتلاعب بالصور كانت في عام 1990 مع ظهور برنامج الفوتوشوب الذي وفر أدوات سهلة للتلاعب بالصور، وبدون تكلفة تذكر، حتى أن البعض يعتبر أن ثمة بداية جديدة لكتابة تاريخ الاتصال المرئي مع ظهور الفوتوشوب، وإن لم يقتصر أمر التلاعب على هذا البرنامج، حتى أن البعض رأى أنه مع قدوم هذه البرامج تم الإعلان عن نهاية الغرفة المظلمة القديمة، وإن كانت لا تزال تستخدم مثل هذه التقنيات، كما لا تزال تقنياتها وروح العمل بها سائدة في مؤسسات إعلامية عديدة. بيد أن الحديث عن فجوة المصداقية قد بدأ بنهاية الثمانينات، مع بدأ الحديث عن فجوة المصداقية المرئية وتراجع عصر النظر للصورة كمعادل للحقيقة Lasica,1998)). كما زادت هذه الفجوة مع تزايد قيام بعض المؤسسات الإعلامية وخاصة بعض القنوات التليفزيونية بتبني إنتاج بعض البرامج القائمة على إعادة صناعة بعض الأحداث وإعادة تمثيل بعض الوقائع فيما يعرف بالمحاكاة من خلال شخوص تتشابه مع ما تمثله، ولكنها ليست حقيقة، وتؤدي مثل هذه الظاهرة إلى زيادة حيرة وإرباك الجمهور، وعدم قدرته على تمييز حقيقة ما يرونه.
ومن الأبعاد الأخرى التي تتخذها قضية مصداقية الصورة ووسائل الإعلام، قضية الإبداع في التصوير ومدى تأثيره على المصداقية، فعلى الرغم من المزايا العديدة التي قدمها نظم التصوير الرقمي للصور، إلا أنه أثار العديد من المناقشات حول تأثير المعالجة الرقمية على المصداقية التي تميزت بها الصور لعقود طويلة، حيث يصعب إدراك التعديلات التي تتم على الصورة وتتبعها بسبب الدقة العالية وعدم وجود فيلم للصورة، وهو ما يسميه الخبراء الفنيون" التغيير دون ترك أثر" ((B. Hortan1990:139 وهو ما لا يقبله الكثيرون. ( عبد الحميد& بهنسي، 2004،64)
وثمة عوامل عديدة أدت لانتشار ظاهرة التلاعب بالصورة من بينها نقص التدريب والخبرة وقلة الاتصال بين العاملين والضغوط التنظيمية والقيود والمصالح الاقتصادية ( Harris 1991 ) Irby,1998)) ( Reaves, 1995a, b ). كما تعد التكنولوجيا ذاتها عاملاً مؤثرًا، فبالرغم من كل الإمكانيات التي توفرها لمعالجة الصورة وتجويد عناصرها وتحسين ألوانها، فإن التكنولوجيا لا تستطيع إعادة إنتاج الواقع بصدق بشكل تام. وقد خلصت دراسات جريفن Griffen و مارا أيفون Vernon إلى أن التوسع في استخدام هذه التكنولوجيا سوف يدمر مصداقية الصور الصحفية كمرآة للحقيقة،بسبب التدخلات من جانب القائمين عليها (, 1992:87-100 Griffen(Vernon,1996 ) كما وجدت دراسة Lowrey علاقة بين التقاليد السائدة وبين مدى انتشار التلاعب بالصور، مشيرًا إلى أن هذا التلاعب يحدث في المؤسسات الكبرى والمعقدة.
كما أن اتجاهات الصحفيين وتصوراتهم إزاء دورهم في معالجة الصورة يلعب دورًا في هذا المجال، ففي دراسة لـتومبسون Brad Thompson عن التلاعب الرقمي، وجد فروقًا ذات أهمية في اتجاهات الصحفيين إزاء التلاعب الرقمي بالصورة، وكذلك في مواقفهم تجاه التكنولوجيا ومدى قدرتها على إعادة إنتاج الواقع بصدق، وذلك وفقًا لعدة متغيرات، وإن رأي معظمهم أيضًا إمكانية قبول حدوث بعض التغيير في صورة الغلاف عن غيرها من الصور، ومال معظمهم لتبني مواقف محافظة فيما يتعلق بتغيير الصور بصفة عامة (Brad Thompson, 2006).
كما أظهرت دراسات أخري أن قبول المحررين لإجراء تعديلات على الصور، يعتمد على نوعيتها، حيث رفضوا إجراء المعالجات على الصور الإخبارية، بينما أظهروا بعض الموافقة على إجراء تعديلات على صور الأخبار الخفيفة، وأعربوا عن موافقتهم إلى حد ما تجاه إجراء تعديلات على الرسوم المصورة (S. Reaves 1995,706-715). وإن وجدت فروق بين هؤلاء المحررين وفقًا لمتغيرات توزيع الصحف التي يعملون بها وحجمها، وعضويتهم في الجماعات الخاصة بالتصوير، ونوعهم وسنهم وتعليمهم، ومدى تعودهم على تكنولوجيا التلاعب الرقمي، وخبرتهم في الصحافة المصورة. بينما اتفقت غالبية عينة دراسة ستاسي كرامر Kramer على رفض التدخل الحاد في الصور الصحفية عن طريق المعالجة الرقمية، لأنها لازالت تمثل شكلاً وثائقيًا يعبر عن مصداقية وموضوعية تناول الحدث، وتقدم للقراء نوافذ مهمة على أحداث العالم ( S. Kramer 1994:1).
كما أن افتقار الكثير من الإعلاميين لثقافة وأخلاقيات الصورة الرقمية، يزيد من كم الانتهاكات الأخلاقية التي قد ترتكب بحق الصورة. حيث يمكن أن تشوه الصور من قبل المصور نفسه عن طريق اختياره لزاوية تصوير معينة أو لقطة معينة دون سواها، كما يمكن أن تشوه في حال قيام شخص أخر بإجراء المعالجة الرقمية للصورة.
ومن بين العوامل الأخرى التي تؤدي للقيام بعمليات التلاعب في الصورة هي خضوع العديد من وسائل الإعلام لمتطلبات السوق والمنافسة بين وسائل الإعلام، والرغبة في إظهار المقدرة الاحترافية..الخ.ففي دراسة Brink, 1998))، للمصورين والمحررين وأساتذة الإعلام ، أشاروا إلى أن التلاعب الرقمي هو أخطر ما يهدد وسائل الإعلام، وخاصة في ظل عدم وجود مواثيق شرف خاصة بذلك، سوى فيما ندر، مثل ما قامت به جمعية المصورين القومية الأمريكية التي أصدرت بيانا أكدت فيه على ضرورة الالتزام بالصدق، وأنه من الخطأ تغيير محتوي الصورة بطريقة تؤدي لخداع القراء Wheeler, 2002, 76))، وأن كان بيانا عاما ولا يغطي جوانب التلاعب الرقمي.
وقد أشارت بعض الدراسات (Reaves & Hitchen, 2004) ((Russeli,1997 إلى إدراك الجمهور بأن تكنولوجيا المعالجة الرقمية للصور يمكن أن تؤثر على المصداقية التي يشعر بها تجاه الصور كدليل على العديد من الأحداث، كما أنهم مدركين إلى أن التحرير الرقمي منتشر في المجلات الشعبية، ويعتبرون التلاعب بالصور بمثابة تلاعباً بهم، وأنه عمل غير أخلاقي، وغير أمين. وفي دراسة لـ جيمس كيلي ودونا ناس أشار أفراد العينة إلى أن المعالجة الرقمية للصورة يمكن أن تكون مقبولة إذا جاءت في السياق المنطقي الذي يتماشى مع خبرات المتلقي وإدراكه للعالم والأحداث من حوله ((Kelly & Nace, 1994:4. كما خلصت دراسة (Huang, 2001) إلى أن قبول القراء للتلاعب الرقمي يتوقف على السياق الذي وقع فيه التلاعب، وأنهم يتوقعونه في الرسوم المصورة وصور التقارير الخفيفة features، ولكن لا يقبلونه في الأخبار الجادة وفي حالة حدوثه، فإنهم يرغبون في معرفة ما يحدث من تغييرات.
وقد قامت بعض المؤسسات بمحاولات لاستعادة الثقة بها، كما تفعل وكالة اسوشيتدبرس من خلال نشر السطر الخاص باسم المصور credit line، والذي يحدد اسم المصور أو مصدر الصورة كتقليد صحفي، وذلك للتأكيد على عدم إجراء أية تعديلات على الصورة، بل تفكر في أن تذهب أبعد من ذلك بنشر جملة مصاحبة للصورة تقول" أننا لم نغير أي شئ ( شريف درويش:2001، 83). كما اقترحت لجنة وضع معايير إعادة إنتاج الصور في جامعة نيويورك وضع علامة أسفل الصور التي يتم تعديلها، لبيان ما إذا كان قد حدث تعديل بها أم لا، وخاصة في الحالات التي يتجاوز فيها التعديل الحدود المتعارف عليها. وفي النرويج بدأت الصحف تقليدًا بوضع ختم على صورة معينة برمز خاص ينبه الجمهور إلى أنها " رسوم فوتوغرافية" وليست وثائق فوتوغرافية حقيقية.وتطلب بعض الصحف والمجلات مثل التايم وناشيونال جرافيك من مصوريها ووكالات الصور تزويدها بالملفات الأصلية للصور Raw files لفحصها في حالة وجود شك في مصداقية الصورة، وهذه الملفات تقوم بتخزين ملفات الصور التي يتم التقاطها باستخدام الكاميرات الرقمية قبل القيام بضغطها، وتفيد مثل هذه الطريقة في التأكد مما إذا كان قد حدث تعديل أو تغيير في مكونات الصورة أم لا، وإن كان ليس من المستبعد العبث أيضًا بمثل هذه الملفات، حيث يمكن لبعض البرامج تعديل مثل هذه الملفات أيضًا.
(ب) قضية الخصوصية والحق في الصورة:
تعتبر الصورة انعكاسًا لشخصية الإنسان ليس فقط في مظهرها المادي الجسماني، وإنما أيضًا في مظهرها المعنوي، فهي تعكس مشاعر الإنسان واحساسيه ورغباته. والحق في الصورة يعني تخويل صاحب الصورة الحق في الاعتراض على إنتاج صورته ونشرها دون رضائه، وكذا الحق في إباحة الإنتاج أو النشر متى ثبت توافره. وإن كان الحق في الصورة يتضاءل في بعض الأحيان أمام المصلحة العامة للجمهور وحقه في المعرفة والإعلام، فضرورات الحق في الإعلام تعد من القيود الهامة على الحق في الصورة.
ولا يمثل تشويه شخصية الإنسان عن طريق نشر صورته فقط، اعتداء على مصلحة خاصة لصاحب الصورة وإنما أيضا اعتداء على مصلحة عامة، فتشويه الصور الإعلامية يعد خيانة لثقة الجمهور في وسائل الإعلام. وتشويه شخصية الإنسان قد يتم من خلال التزييف المادي للصورة أو المعنوي. والتزييف المادي يعني استعمال مجموعة حيل فنية لخلق منظر غير حقيقي، أي خلق صورة لشخص في موقف لم يوجد فيه في الواقع، ومنها وضع صورة رأس شخص معين على صورة جسم شخص أخر مثلما حدث مع أوبرا وينفري ومارثا ستيورات وغيرهم. والتزييف المعنوي يعني أن الصورة تظل في مادياتها كما هي دون تعديل أو تغيير، ولكن تتبع وسائل معينة تغير من مدلول الصورة أو معناها مثل نشر صورتين أو عدة صور متتابعة أو متجاورة، بحيث يؤدي ذلك إلي أن يستنتج الجمهور معاني خاطئة أو يتولد لديه انطباع غير صحيح عن شخصية صاحب الصورة، وفي حالة إضافة تعليق معين للصورة فقد يؤدي لمزيد من التزييف بها ( سعيد جبر، 1986 ، 27-31).وإن كان ثمة فارق بين حق الفرد العادي وبين حق الشخصيات العامة في نشر صورهم.
وقديمًا لم تكن حماية الإنسان ضد إنتاج صورته أو نشرها لتثير صعوبات تذكر، بيد أن اختراع التصوير الفوتوغرافي والرقمي وآلات تسجيل الصوت والصورة وعرضها بالفيديو..الخ أدى لتعرض شخصية الإنسان لخطر كبير، إذا أصبح من الممكن تصويره دون الاقتراب منه، ودون أن يدري، وأصبح من الممكن نشر صورته الثابتة أو المتحركة بمختلف وسائل الإعلام. وقد انتشر استغلال الصورة في الأغراض المختلفة، وقد يترتب على نشر الصورة في حالات معينة تشويه لشخصية الإنسان. وبالرغم من أهمية هذه القضية، إلا أن العديد من مواثيق الشرف الإعلامية لم تتطرق لتأثير تكنولوجيا الاتصال الرقمي على خصوصية الأفراد.
وبالرغم من ظهور الكثير من الحالات على حدوث العديد من الانتهاكات للحق في الخصوصية من خلال نشر صور بعض الأشخاص دون رضاهم أو دون معرفتهم أو في حالات لا يرغبون أن يظهروا فيها علنًا، فقد زادت تكنولوجيا المعالجة الرقمية للصور حالات التعدى على خصوصيات الآخرين، وفي ذات الوقت لا تزال الكثير من الأسئلة مطروحة فيما يتعلق بعلاقة الصورة بالحق في الخصوصية ومن بينها: هل تعتبر عمليات توظيف الصورة في غير الغرض الذي التقطت من أجله خروجًا عن أخلاقيات مهنة الصحافة؟ وإلى أي مدى يحق التلاعب بالصورة؟ وهل يجوز اختراق خصوصية البعض باستخدام تقنيات المعالجة الرقمية للكشف عن واقعة معينة؟ وهل يستطيع المشاهد أن يعرف بيسر أن هناك تلاعبا ما بالصورة، وإذا عرف هذا التلاعب، على سبيل الافتراض، فهل يهتدي بسهولة إلى معرفة سبب القيام به؟ وهل يمكن أن نعرض كل الصور؟ وهل يمكن أن نظهر كل شئ في الصورة، وهل يحق لنا أن نقدم صورة لشخص يحتضر، دون أن نعير أي اهتمام لقيمته كإنسان، بحجة أن صورة المحتضر تجلب الكثير من الأرباح أحسن من صورته في وضعه الطبيعي؟ وهل نملك الحق في صدم مشاعر الجمهور، ورهافة إحساسه في عقر داره؟ وهي تساؤلات يثار حولها الكثير من الجدل، ولم تحسم بعد، بيد أن القيمة الأساسية التي يجب الحفاظ عليها هي عدم توظيف الأدوات التكنولوجيا الرقمية في انتهاك خصوصية الأخرين، وعدم القيام بأية محاولات تلاعب بالصور تؤدى إلى انتهاك هذه الحق، مع ضرورة تبنيه الجمهور لأية تعديلات تتم على الصور، وممارسة أكبر درجات الحفاظ على مشاعر وأحاسيس الجمهور كمعايير يمكن الاستناد إليه في اختيار ونشر ومعالجة الصور رقميًا.
(ج) قضية الملكية الفكرية:
من القضايا الأخلاقية والقانونية التي أثارتها المعالجة الرقمية للصورة، قضية حقوق الملكية الفكرية للصور، إذ بينما وفرت تكنولوجيا المعالجة الرقمية إمكانات كبيرة في مجال تحسين جودة الصور وألوانها وسرعة إنتاجها وتخزينها وإعادة استخدامها، إلا أنها أثارت مشكلة أخلاقية وقانونية تتعلق بحقوق النشر والملكية الفكرية، فمن ناحية أصبح من اليسير نسخ الصور واستخدامها دون الرجوع إلى أصحاب حقوق ملكيتها، كما أصبح من اليسير تنقل الصورة من فرد لأخر ومن مؤسسة لأخرى، دون معرفة المصدر الأصلي لها، مع صعوبة معرفة التغيرات التي حدثت على الصورة، وفي أية مرحلة تمت هذه التعديلات ومن قام بها ( عبد الحميد& وبهنسي، 2004، 53). ومن التأثيرات السلبية لذلك ضياع حقوق المبدعين والمصورين، وسهولة إدعاء البعض لحق ملكية بعض الصور التي لم ينتجوها، فضلاً عن تزييف حقيقة منتج الصورة.
ومن ناحية أخرى فإن المعالجة الرقمية للصور أتاحت إمكانية إجراء تعديلات عديدة على عناصر الصورة الأصلية لم تكن موجودة، كما أتاحت إمكانية تشكيل الصور بأشكال مختلفة، قد تفقد العملي الأصلي رونقه وتميزه، وقد تؤدى إلى الإساءة للعمل الأصلي وتزييفه.وتزداد المشكلة تعقيدًا عند محاولة معرفة المصدر الأصلي لصورة تمت صناعتها من خلال دمج عدة صور معًا، وتحديد مدي إسهام كل فرد في الصورة المجمعة، ومن الذي سيتحكم في عملية عدم استخدام هذه الصورة في مكان آخر؟ (T.Ang 2000:147). كما أنه على الرغم من نص معظم اتفاقيات نقل الصور على ضرورة وجود ملف يتضمن اسم المصور ومعلومات تفصيلية عن مكان الإرسال، إلا أن هذه الضمانات غير متوافرة فيما يسمي بالأنظمة المفتوحة open systems حيث يمكن تداول هذه الصور من خلال المكتبات، وهو ما يدفع بعض الجهات إلى وضع علامة مائية إليكترونية على صورها لمنع استخدامها في حالات التقليد، ويلزم اللجوء إليها في حالة الرغبة في طبع صور منفصلة خالية من هذه العلامة مقابل أجر (M.Keene 1995:220) ( عبد الحميد& وبهنسي، 2004، 54).

(3) الممارسات الإعلامية المتبعة في مجال المعالجة الرقمية للصور: دراسة حالات

( الحالة الأولي) ( أداة استنساخ الصور وتغطية رويترز لأحداث لبنان): أثناء الاعتداء الإسرائيلي الأخير على لبنان، بثت وكالة رويترز صورتين في 7 أغسطس 2006 تظهران آثار دخان متصاعد من المباني التي تم إلقاء القنابل عليها في بيروت ، وقد حصلت رويترز على الصورتين من المصور عدنان الحاج، وهو مصور مستقل، وقد قام المصور بزيادة حدة الدخان المندلع من أحد الأبنية للتدليل على فظاعة الاعتداءات الإسرائيلية، وبعد أسبوع من النشر تناقلت مواقع البلوجرز على الانترنت قضية تلاعب عدنان رها قررت رويترز فحص أعماله، حيث اكتشفت أنه قام بالتلاعب في صورتين، أحداهما تظهر وقائع حدثت بعد ضربة جوية إسرائيلية على أحد الأحياء المأهولة والأخرى لطائرة إسرائيلية فوق جنوب لبنان، وفي الصورة الأولى قام بإجراء بعض التعديلات لإظهار تصاعد الدخان من أحد الأبنية وفي الثانية ظهرت الطائرة وهي تسقط ثلاثة طلقات مشعة بدلاً من واحدة. ( انظر الصورة رقم 1)
ومن ناحيته، أنكر الحاج قيامه ب
كل متعمد بالتلاعب في الصور، وقال أنه كان يحاول إزالة الغبار من الصور، وتعديل ألوانها، ولكنه أرتكب خطئاً نظرًا لقلة الإضاءة في الصورة. وقد كشف التحقيق الذي أجرته الوكالة أن الصورة قد تم بالفعل تعديلها باستخدام برنامج الفوتوشوب، وبعدها قررت سحب 920 صورة من أعمال قام بها المصور عبر السنوات الماضية، مشيرة إلى أن هذا لا يعني أن كل الأعمال التي زودها بها قد قام بتعديلها، بيد أنها قالت أنها أرادت التحرك بسرعة وبطريقة وقائية، وقررت بعدها تشديد عملية حصولها على الصور التي تأتي إليها من الشرق الأوسط وطريقة التعامل معها .وعقب محرر الصور بوكالة رويترز Tom Szlukovenyi على الحادثة بأن رويترز لا تتسامح مع أية محاولات للتلاعب بالصور، وأنها دائمًا ما تذكر مصوريها، بسياستها الصارمة. وأكدت رويتزز أن ما ترسله من أخبار وصور لمشتركيها يتم فحصها للتأكد من جودتها، وإن سياستها هي تصحيح أي خطأ يقع بسرعة وبوضوح، وإنها قد تسمح بإجراء تعديل في مظهر الصورة لتصحيح درجاتها اللونية، لكنها لا تسمح بتغيير محتوى ومضمون الصورة، من خلال إضافة عنصر أو حذف عنصر. وتكشف قضية الحاج عن تأثير أداة الاستنساخ "clone" tool في الفوتوشوب، حيث قام الحاج بتكرار مشهد الدخان باستخدام هذه الأداة، وكان التلاعب واضحًا نظرًا لتشابه نماذج تكرار الدخان، ولو كان حذرا في عمله لكان صعب اكتشافه تلاعبه بالصورة، ومن ناحية أخرى، أثارت قضية مدى مصداقية وسائل الإعلام الشهيرة، ومدى قيامها بتحرى أعمالها المصورة.
( الحالة الثانية) ( الصورة المركبة، وصحيفة لوس أنجلوس تايمز ): في ابريل 2003 نشرت صحيفة لوس انجلوس تايمز صورة لجندي بريطاني يشير لمواطن عراقي بأن يختبئ أو يعود إدراجه، والصورة كانت عبارة عن تجميع من صورتين وليست صورة واحدة، ولكن تم اقتطاع بعض أجزاء من الصورة الأولي وتركيبها في الصورة الثانية، حيث قام المصور ويلكسي بدمج صورتين في صورة واحدة باستخدام الجانب الأيسر من أحداها والجانب الأيمن من الصورة الأخرى، مما حدا بالصحيفة لفصل المصور، حيث لاحظ مسئوليها تكرار بعض الشخوص في ذات الصورة ، وحاولت التايمز والصحف التابعة لها تفسير ما حدث للقارئ، وأسباب فصل المصور، وسياساتهم الأخلاقية المتعلقة بالتعامل مع الصور، ونشرت اعتذارا واضحا للقراء، وكذلك نشرت الصور الأصلية التي حصل عليها ويلسكي، وأظهرت كيف تمت عملية التلاعب الصورة ودمجهما لصناعة صورة واحدة غير صحيحة، كما نشرت تنويها للقراء على موقعها عن حدوث التلاعب، والتحقيق الذي أجرته. وقد أقر ويلكسي بخطئه وقال أنه تجاوز الأعراف الأخلاقية المتعارف عليها، كما أقر بأنه قد قام بدمج الصورتين. ( انظر الصورة رقم 2)
وكانت بعض الصحف الأخرى قد نشرت ذات الصورة، وقد لاحظ أحد العاملين بصحيفة Courant التلاعب، بينما كان يبحث عن صديق بالصورة، فلاحظ تكرارَا بها، ونبه محرر الديسك، وبعد زيادة تكبير الصورة إلي 600% تم اكتشاف التلاعب بالصورة، وبدأ التحقيق في الموضوع، وتم الاتصال بويلكسي في بغداد للتحقق من الأمر، والذي أقر بأنه استخدم الكمبيوتر لدمج عناصر من الصورتين وتجزئه بعضها لتحسين موضوع الصورة، وبقبوله للمسئولية مبررًا قيامه بهذا العمل بأنه جاء بعد يوم عمل شاق، وقد اختلط عليه الأمر، وأنه نادم لتلطيخ سمعة صحيفته.وقيل في تبرير الموضوع إن الإنهاك الجسدي للمصور قد أدي لإساءة تقييمه للصورة، ولكن التمعن في التفاصيل يكشف عن انتهاكه للقواعد المعمول بها.
( الحالة الثالثة) (التلاعب بخلفية الصور وألوانها ) (حالة شنيدر): في 28 يوليو 2006 نشرت صحيفة The Charlotte Observer لمصورها باتريك شنيدر، في صدارة الصفحة المحلية، صورة لرجل مطافئ يتسلق سلم للمطافئ، وقد ظهر على شكل ظل، وبدت هالة شمس في السماء توحي بأن المشهد تم في الصباح الباكر، بينما كانت السماء في الصورة الأصلية بلون رمادي ضارب للسمرة. ( انظر الصورة رقم 3). وقد قام شنيدر بتعديل لون السماء ليصبح باللون الأحمر الغامق، بالرغم من أن سياسة صحيفته تنص على عدم تغيير ألوان المشاهد الأصلية التي تم تصويرها في واقعها الحقيقي، لذا قامت الصحيفة بفصل شنيدر لانتهاكه سياستها، ونشرت اعتذارا لقرائها عما قام به، وتم حذف الصورة من النسخة الاليكترونية للصحيفة واستبدالها بصورة أخرى من مشهد الحريق. وعلى عكس ما فعلت لوس أنجلوس تايمز لم تنشر الصحيفة صور شنيدر قبل وبعد التعديل لكي يعرف القارئ مدى التغيير الذي حدث، وفي رسالة نشرتها الصحيفة فيما بعد لمحرر الصور قالت أن شنيدر لم يكن لديه نيه لخداع القارئ، وان هدفه فقط تركز على استعادة اللون الأصلي للسماء، وأن الألوان قد فقدت عند تقليله لتعرض الصورة للضوء، لتعكس لمعان الشمس. وقالت الصحيفة أنها ركزت هدفها على محو الصورة من سجلها، أكثر من تفسير ما حدث للقارئ، مؤكدة أن لديها سياسة فيما يتعلق بتعديل الصور، وان ثمة فارق بين الفن والرسوم الفنية والصحافة والصور، وأنه في حالة القيام بعمل فني، فيجب تسميته باسمه، وانه من المسموح ضبط الدرجة اللونية للصورة، ولكن لا يجب تعديل الألوان الحقيقة للمشهد الذي تم تصويره. وإن كان غير واضح حتى الآن من الذي اكتشف تلاعب شنيدر بالصور. ونظرًا لما حدث قررت الصحيفة إتباع سياسة صارمة فيما يتعلق بمثل هذه الأحداث، كما تم تحديث ميثاق شرف الجمعية القومية لمصوري الصحافة بنورث كارولينا.
وكان قد تم توقيف شنيدر من قبل في عام 2003، لقيامه بتغيير ألوان بعض الصور التي تقدم للمشاركة بها ضمن مسابقة لجمعية المصورين الصحفيين بنورث كارولينا، حيث انتقد أعضاء الجمعية صوره ، وقد ظهرت شكوى الأعضاء بعد التحكيم، وبينما كانت الصور التي نشرها شنيدر في صحيفته، بدون تعديل، فإن الصور التي شارك بها في المسابقة، قد قام بتعديلها، وبعد إجراء تحقيق تم سحب الجوائز التي حصل عليها. وفي لقاء نظمته جمعية المصورين بنورث كارولينا فيما بعد عرض شنيدر لصوره قبل وبعد التعديل، واعترف بأنه أخطأ. وان لن يقوم بتعديل خلفية صوره لهذا الحد فيما بعد. كما أقر شنيدر بأنه استخدم مثل هذه الأدوات من قبل في الغرفة المظلمة، ولكن مع الفوتوشوب أصبح أكثر حذرًا، مؤكدًا أنه هدفه كان هو تحقيق أكبر تأثير من خلال الصور، وقال أيضا انه ذهب بعيدا في معالجته لصورة رجل المطافئ وتفتيح ألوانها، وأنه التعديلات التي أدخلها على الصور التي شارك فيها في المشاركة، كانت فقط للمسابقة وليست للنشر، وأنه كان يفكر في كيفية إبلاغ محكمي المسابقة،وإن قال بأن المعايير المعمول بها حتى الآن غير واضحة، وأنها تلقي بالمسئولية على عاتق المهنة بمجملها.
وقد أثارت قضية شنيدر تساؤلاً حول هل من الضروري أن يكون لكل صحيفة ميثاق شرف خاص بمعالجة الصور حتى يتم احترامه، أم أنه ينبغي أن يضع كل صحفي أو مصور لنفسه معاير أخلاقية بناء على معايير المهنة. كما أثارت مسألة عدم وضوح الحدود فيما يتعلق باستخدام برنامج الفوتوشوب، وضرورة الفصل بين العمل الصحفي، وبين إضافة اللمسات الخيالية والإبداعية على المادة المصورة، وألا يتم التلاعب بألوان الصورة بدرجة تخرج بها عن ألوانها الحقيقية. كما تشير إلى ضرورة احترام القارئ وتنبيه لأية حالات تعديلات تتم على الصورة، وأن من حق القارئ أن يعرف ماذا حدث سواء قبل التعديل أو بعده.
الحالة الرابعة : تفتيح وتغميق الصورة بمجلتي التايم والنيوزيك : في يونيو 1994 قامت مجلة التايم بتغيير ملامح اللاعب المشهور أوجي سيمبسون بعد القبض عليه بتهمة قتل زوجته وعشيقها، حيث ظهرت صورته أكثر قتامة، في دلالة على لونه وعنصره. ( انظر الصورة رقم 4) وكتبت تحت الصورة عبارة مأساة أمريكية، بينما ظهر الصورة نفسها على مجلة النيوزيك بدون قتامة، لكن كلام الصورة كان يوحي بمعان أخري، حيث كتبت المجلة عبارة " محاكمة الدم". وقد أثارت معالجة الصورة في المجلتين الكثير من التعليقات حول مصداقيتهما، وحول تحيزهما في تغطية الحدث، من خلال الإيحاء بأن المتهم قد قام بارتكاب الجريمة بالفعل، وأن لونه " الأسود" له دلاله في قيامه بقتل زوجته وعشيقها. واعتذرت التايم في العدد التالي على ما قامت به.
الحالة الخامسة: رويترز وإعادة ملامسة الصورة retouching(صورة بوش): في سبتمبر 2005 بينما كان الرئيس الأمريكي بوش يحضر اجتماع مجلس الأمن، خط على ورقة صغيرة ملاحظة لوزيرة الخارجية الأمريكية رايس قائلا" أعتقد أنني بحاجة للذهاب للحمام، فهل هذا ممكن؟" والتقط مصور رويترز صورة للورقة، ولكن الصورة الأصلية كانت معرضة للضوء بدرجة كبيرة، مما لم يظهر فحواها بشكل واضح، فقامت رويترز بضبط التباين في الصورة قبل نشرها لإبرازها، واعتبرت أن عملها هذا لا يعد تلاعبًا بالصورة، بل تحسينًا لها وهو أمر مقبول طالما لم يتم تغيير فحوى الصورة، وإنما تركز الهدف على جعلها أكثر وضوحًا. ( انظر الصورة رقم 5)
الحالة السادسة: التلاعب بالإضاءة Lighting في الصورة: في ابريل 2005 نشر على غلاف مجلة Star صورة للممثل براد بيت والممثلة أنجلينا جولي، في أعقاب الشائعات التي أثيرت حول وجود علاقة بينهما، وكان الغلاف مثيرًا، ولكن كان مزيفًا، حيث تم دمج صورة لبراد تم التقاطها له في الكاريبي في يناير 2005 ، وصورة لجوليا تم التقاطها لها في فيرجينيا في عام 2004. ( انظر الصورة رقم 6). وبالفحص الدقيق للصورتين تم اكتشاف التلاعب من خلال الإضاءة ، فأوضاع الصورة والظلال بها تشير إلي أن الصورتين تم التقاطها في العراء وفي يوم مشمس، وليس كما بدت، فضلاً عن موقع الشمس في الصورة، حيث ظهر ظل انجلينا على الرمل، وتحت ذقنها، كما أن اللمعة التي اكتست وجهها لم تكن متساوية في الدرجة، وكذلك التدرج اللوني للإضاءة حول ساقها اليمني. كل هذه العوامل أشارت إلي أنها تواجه الشمس، كما أن الجانب الأيمن من وجه براد، لم يكن لامعًا، بينما يفترض أنه في مواجهة الشمس، بينما لم يظهر ذلك في الصورة. وقد اعتبر ما قامت به المجلة عملاً غير أخلاقي لقيامها بتزييف الصورة، وإدعاء واقعة غير صحيحة من خلال دمج الصور ( انظر الصورة رقم 6).
ومن المحاولات الأخرى في مجال إدخال التعديلات الرقمية على الصورة الإعلامية: الصورة التي نشرتها مجلة نيوزيوك الأمريكية في ديسمبر 1977 للزوجين بوبي وكيني مكوجي من ولاية أويوا، واللذين رزقا بسبعة مواليد دفعة واحدة، حيث أدخلت مسحة جمالية على الزوجة، بعد أن رأت بأن سواد أسنانها، وتباعدهم يفقد الصور جمالها، فقامت الصحيفة بتبييض الأسنان ورصفتها بشكل أنيق باستخدام بالكمبيوتر ( عبد الحميد، بهنسي، 2004). وفي 27 أكتوبر 1989 نشرت جريدة News Day على غلافها صورة لثماني عشرة طائرة حربية تقلع معًا في تشكيل استعراضي لم يحدث أبدًا، وكانت الصورة ملفقة فنيًا، حيث نقلت الصحيفة صورة طائرة حقيقة واحدة إلي الكمبيوتر التقطت لها وهي تحلق في الجو ثم كررتها 17 مرة. وفي فبراير 1982 ظهر على غلاف مجلة National Geographic هرمان من أهرامات الجيزة الثلاث، وقد تحركا واقتربا حتى صارا متجاورين على غير الواقع، وكتبت المجلة اعتذارا ذكرت فيه أنها فعلت ذلك حتى تتناسب الصورة مع الحجم الطولي للمجلة.وفي أغسطس 1989 نشرت مجلة TV Guide على غلافها صورة للمذيعة المشهورة أوبرا وينفري بوضع رأسها على جسم ممثلة أخرى هى آن مارجريت كان قد تم تصويرها في 1979، وتم الكشف عن التلاعب بالصورة من خلال مصمم أزياء الممثلة الذي اكتشف أن الملابس المعروضة هي للممثلة وليس لأوبرا. وفي يوليو 1992 ظهر على غلاف مجلة TexasMonthly صورة لحاكمة ولاية تكساس تقود دراجة بخارية، حيث تم وضع صورة رأسها على صورة جسد أمراة أخري تعمل كموديل، وإن أشار محرر المجلة لقيامه بهذا العمل، وقالت حاكمة الولاية أنها لم تتقدم بشكوى ضد المجلة لكون جسد الموديل رائعًا.
وفي فبراير 1993 نشرت مجلة Spy الأمريكية على غلافها صورة لهيلاري كلينتون بعد أن قامت بتركيب رأسها فوق جسم أمراة عارية الصدر، وكانت الصور مذهلة في درجة إتقانها، فلا أثر لأي التحام فني بين الصورتين، واكتفت المجلة بأن نشرت سطرين في الصفحات الأخيرة ذكرت فيهما أن الغلاف ما هو إلا صورة تشكيلية بالكمبيوتر. وقد أدي نشر هذا التزوير إلى إجراء دراسة لإدخال نص" للقذف بالصورة" على قانون العقوبات الأمريكي الذي لم يكن يعرف حتى هذه الفترة هذا النوع من القذف. وأعلنت وكالة اسوشتيدبرس أنها لن تسمح بتغيير مضمون أي صورة. ( عبد الحميد& بهنسي، 2004،65). وفي فبراير 1994 ظهر على غلاف صحيفة New York Newsday لاعبتا التزحلق نانسي كريجن وتوني هاردينج، وهما لاعبتان توجد بينهما الكثير من الخصومة والعداء، بينما أظهرتهما الصورة وكأنهما يتدربان سويًا، بعد قيام توني بالاعتداء على نانسي، وإن أقرت الصحيفة بأن الصورة مدمجة.
وفي ديسمبر 2000 تم إدخال شعار شبكة الـ CBS أثناء احتفالات رأس السنة، وذلك للتعمية على شعار الشبكة المنافسة NBC الذي كان يظهر في الخلفية. وفي فبراير 2004، نشرت صورة تجمع بين السناتور الأمريكي جون كيري والممثلة جون فوندا في تظاهرة ضد الحرب، بينما كان قد تم التقاط صورة كل منهما بشكل منفصل وفي توقيت متباين، مما أعطي الإيحاء بأن فوندا تؤيد كيري. حيث ظهرت الصورة أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية في 2004. ومن قصص التلاعب المشهورة بالصور، ما نشره موقع salon.com في ابريل 2004، من صورة لمارينز أمريكي يقف بجوار صبيين عراقيين إحداهما يحمل لافتة كتب عليها أن الجندي بودريكس قتل أبي ومارس الفحشاء مع أختي، بينما قال الجندي أن كلام بالصورة كان يحمل عبارة "أهلا بالمارينز". وبعد أن أثارت الصورة استياء المجلس الأمريكي للعلاقات الإسلامية، ظهرت صورة مشابهة على مواقع أخرى ولكن بعد تغيير نص اللافتة بالقول بأن( الجندي بودريكس أنقذ والدي، ثم أنقذ أختي)، وإن لم يتم التأكد من مصداقية كلتا الصورتين.وفي يوليو 2003 تم دمج صورتين للممثلة جوليا روبرتس على غلاف مجلة Redbook ،تم التقاطهما في فترتين مختلفتين، لتظهر رأسها من صورة وجسمها من صورة أخرى، واعتذرت المجلة بعدها للممثلة، وأقرت بأنها ذهبت بعيدًا في عملها هذا.
وفي أكتوبر 2005 ظهرت صورة لكونداليزراس وزيرة الخارجية الأمريكية في صحيفة يو أس توداي، وكأن النيران تندلع من عينيها في أحد جلسات الاستماع بالكونجرس حول الحرب في العراق، وقد تم إزالة الصورة من موقع الصحيفة بعد انتقاد عدة قراء لها، وعلقت الصحيفة بعدها قائلة أنه غالبًا ما يتم اقتطاع الصور التي يتم نشرها سواء من حيث الحجم أو لضبط حدة ولمعان الصورة، وفي حالة الصورة المنشورة الخاصة بوزيرة الخارجية فإن المحرر قام بتلميع جزء من وجهها، مما أعطي عينها مظهرًا غير طبيعيًا، مؤكدة أن هذا التشويه لا يتفق مع المستويات التحريرية التي تتبعها الصحيفة.وفي مارس 2005، تم وضع رأس مارثا ستيورات على جسم موديل في مجلة النيوزيوك بدت فيها نحيفة وتتمتع بالصحة وجاهزة للعمل، وقالت المجلة في الصفحة الثالثة منها أنها عبارة عن صورة مرسومة. وفي سبتمبر 2006 ظهرت صورة في مجلة CBS للمذيعة المشهورة كيتي كوريك بعد معالجتها رقميًا وإضافة الكثير من النحافة لجسمها، وعلق رئيس مجلس إدارة المؤسسة قائلاً بأنهم لن يقومون بمثل هذه الأعمال في المستقبل عند معالجة الصور. وفي سبتمبر 2006 نشرت مجلة The Dubliner صورة عارية لزوجة لاعب الجولف الشهير تيجر وودوز مع تعليق ساخر يقول بأن معظم زوجات لاعبى الجولف الأمريكيين متزوجين من نساء يصعب عليهم ارتداء ملابسهم، واعتذرت المجلة فيما بعد عن الصورة وعن أسلوبها الساخر.وفي نوفمبر 2006 نشرت صورة لمذيعة ABC اليزابيث فارجس ترضع طفلها، بينما تجلس على ديسك الأخبار في أية بي سي، مصحوبا بمقال عن كيفية موازنة فارجس بين عملها وطفلها، وتم إنتاج الصورة من خلال دمج صورة للمذيعة مع صورة أخرى، وبررت مجلة Marie Claire هذا العمل بأنهم لا يعتقدون بأن أي شخص سيصدق أن المذيعة تقوم بعملها وفي نفس الوقت ترضع طفلها. كما قامت مجلة Spy بإظهار الممثل بروس ويلز وكأنه حامل، ونشرت صحيفة New York Daily News صورة مدمجة لكلينتون وكاسترو يتصفحان، وهو أمر لم يحدث.
وفي مارس 2007 نشرت صحيفة الفجر المصرية المستقلة صورة للشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر على غلافها مرتديا زيًا كنسيًا عليه شارة الصليب، مصحوبًا بعنوان "شيخ الفاتيكان الأكبر".وقد اعتبرت الصورة بمثابة تعد على رمز إسلامي له توقيره واحترامه، بينما رأت الصحفية أن الصورة تعد بمثابة ردع صحفي لبيان أن مسألة زيارة شيخ الأزهر للفاتيكان خطيرة، مضيفة بأن "هدفنا من الصورة أن نشبهه ببابا الفاتيكان عندما يتوافق معه في وجهة نظر معينة، وهو تقريب للمعنى وليس المقصود أن شيخ الأزهر أصبح بابا للفاتيكان أو شيخا له "..
وتشير الحالات السابقة إلى وقوع مؤسسات إعلامية شهيرة ضحية إغراء المعالجة الرقمية للصور، وإلى تجاوزها لأخلاقيات العمل الإعلامي من جهة، وإلى تنوع وسائل التلاعب بالصورة الرقمية بطريقة تتطلب المزيد من البحث والتحليل للكشف عن الجوانب المختلفة له، ووضع إرشادات محددة تساعد الصحفيين في التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة.

(3) المواثيق الأخلاقية وتصوراتها للمعالجات الرقمية للصور.

يكشف تحليل بعض مواثيق الشرف الصحفية الخاصة ببعض وسائل الإعلام والصحف الأمريكية والعربية والتي وردت ضمن نصوصها بنود تتعلق بالمعالجات الرقمية للصورة عن جملة من القضايا المتعلقة بالرؤية الفكرية للتعامل مع الصورة الرقمية، والمقارنة بين الأساليب القديمة التي كانت متبعة في معالجة الصورة، والأساليب التكنولوجية الحديثة. كما تطرقت هذه المواثيق لوضع ضوابط محددة للتعامل مع المعالجة الرقمية للصور، وتحديد موجهات للصحفيين فيما يتعلق بالمسموحات والمحظورات التي ينبغي أخذها في الاعتبار عند القيام بالمعالجة الرقمية للصور. وإن كانت قلة من الصحف ووسائل الإعلام هي التي بادرت للتجاوب مع التطورات الراهنة في مجال المعالجة الرقمية للصور بتحديث مواثيق الشرف الخاصة بها. ومن ناحية أخرى، فأنه بينما تحدد بعض مواثيق الشرف الخاصة بوسائل الإعلام الأمريكية الخطوات التي يجب إتباعها عند المعالجة الرقمية، أو تصدر أدلة عمل خاصة بهذا الصدد، فإنه غالبًا ما لا تتطرق مواثيق الشرف الخاصة بوسائل إعلام عربية لموضوع المعالجة الرقمية للصور. ومن بين المواثيق الأمريكية التي عالجت هذا الموضوع، ميثاق الجمعية القومية الأمريكية لمصوري الصحف NCPPA وجمعية مصوري الصحافة المصورة بنورث كارولينا NPPA ومعهد بوينتر، بيد أن تحليل هذه المواثيق يكشف عن أنها تتصف بالعمومية ولا تتناول موضوعات من قبيل الإضاءة، والمنظور، والزوايا، واختيار العدسة، والتباين، والفلاتر..الخ وغيرها بالتفصيل.وكان ميثاق NPPA قد صدر لأول مرة عام 1990 ولكن تم تنقيحه في عام 1991، وتم العمل به بدءًا من عام 1995. وفي التعديلات الأخيرة لميثاق الـ NPPA أشار لضرورة تمسك المصورين الصحفيين بالحرص على الدقة والشمولية ، ومقاومة محاولات التلاعب بالصورة، وعرض الصورة في سياقها، وتجنب تنميط الأفراد والجماعات من خلال الصور، وعدم التحيز في تمثيل الآخرين، وعدم المساهمة أو تغيير أو السعي لتغيير أو محاولة التأثير في الأحداث من خلال الصور، أو أية محاولات لمعالجة وتحرير الصورة، مع الحرص على الحفاظ على محتوي الصورة وسياقها، وعدم دفع مقابل للمصادر أو تقديم مكأفاة لهم مقابل الحصول على معلومات.
ويكشف التحليل المتعمق لهذه المواثيق عن وجود توجه عام للتجاوب مع التكنولوجيا الحديثة وتطويعها في خدمة العمل الإعلامي والصحفي، وأنه مع الإقرار بأهمية الاستعانة ببرامج الكمبيوتر في معالجة الصور رقميًا، فإن ثمة توجه نحو تطبيق القيم التي كانت متبعة فيما مضي في معالجة الصورة، فيما يعرف بالغرفة المظلمة، فمثلاً تؤكد الاسشيوتدبرس انه بالرغم من أنها أصدرت بيانًا توضح فيها سياستها المتعلقة بالمعالجة الاليكترونية للصور في عام 1990، في وقت كانت فيه سرعة المعالجة الرقمية للصورة في بدايتها، إلا أن هذه السياسة لا تزال سارية حتى الآن. وأنه بالرغم من جدة الموضوع، فإن التعامل معه يتأتى من القيم القديمة، وهذه القيم لم تتغير، وهي قيم قائمة على ضرورة عدم تغيير محتوى الصورة، وعلى ضرورة قيام الصورة بنقل الحقيقة.
وتؤكد هذه المواثيق أنه على الرغم من استبدال المصطلحات القديمة التي كانت مستخدمة من قبل في الصحافة، في مجال تفتيح وتعتيم الصورة بمصطلحات جديدة مثل التلاعب بالصورة أو تحسين الصورة manipulation and enhancement ، إلا أنه يجب وضح حدود لهذه المعالجة، حتى لا يساء استخدام مثل هذه المصطلحات، وإنه عند إجراء مثل هذه العمليات، فإنها يجب أن تكون محكومة بمعايير صناعة المهنة، وأن تتم في حدود هدف الصورة، والذي هو عكس الواقع بدقة.
ويكشف مراجعة مواثيق الشرف الصحفية لهذه المؤسسات الإعلامية، عن أنه بينما ساعدت قلة من وسائل الإعلام والصحف العاملين بها، وأرشدتهم لكيفية المعالجة الرقمية للصور، فإن كثيرًا من هذه الوسائل لم تهتم بذلك. وبينما لم تتخذ وسائل إعلام كثيرة مواقف صارمة وحازمة فيما يتعلق بعدم التلاعب الرقمي بالصورة، فإن قلة من هذه الوسائل اتخذت موقفًا صارمًا مثل الواشنطن بوست الأمريكية التي تنص أدلة العمل بها، على أنه لن يسمح باستخدام التكنولوجيا الحديثة في مجال المعالجة الرقمية للصور، إلا إذا كان استخدامها واضحًا ومبررًا، وبطريقة لا تؤدي لإساءة تمثيل الأحداث الحقيقة أو تتضمن رسومات تصويرية لا تصف الأحداث الحقيقية.
كما يكشف عن وجود مجموعة من المعايير تحكم رؤية بعض وسائل الإعلام في مجال التعامل مع المعالجة الرقمية للصور، من بينها: أن الصور مثل الأخبار يجب أن تعكس الحقيقة بأكبر قدر ممكن، وأن هدفها وروحها يجب أن يكون السعي نحو نقل الحقيقة، وأنه يجب أن تلتزم بمعايير الصدق، وألا تسهم في خداع القراء، كما ينبغي الالتزام بالدور المناط بالصورة الوثائقية والمتمثل في التقاط لحظة حقيقية وتسجيلها ونقلها كما وقعت دون إحداث أي تغيير يشوهها، أو يحور محتواها،مع السعي لتقديم تغطية مرئية عادلة ودقيقة للأحداث، والحفاظ على مصداقية ونزاهة المؤسسة الصحفية عند التعامل مع المعالجة الرقمية للصورة، فلا شئ يعلو فوق سمعة المؤسسة، والحذر من الاستخدام السلبي لتكنولوجيا معالجة الصورة فيما يؤدي إلى تضليل وخداع القارئ أو عدم تمثيل الحقيقة بصورة صادقة. وعند اتخاذ قرار ما يتعلق بتغيير الصورة، فإنه يجب التفكير جيدًا في مدى صحة القيام بمثل هذه العمل؟ وهل سيؤدي إلي إرباك القراء؟ وهل سيحصلون على الفكرة الأساسية من استخدام الصورة في ظل وقوع تلاعب في محتوياتها، وتضيف الواشنطن بوست لهذه المعايير ضرورة التعامل مع أي قرار يتعلق بالصورة على مستوي تحريري مختلف عن المستوي الفني فقط.
كما يكشف تحليل هذه المواثيق عن مجموعة من الضوابط الإجرائية التي نصت عليها هذه المواثيق،وإن كان البعض منها قد أشار إلى أنه بينما لا توجد ضوابط محددة يمكن توقعها في كل موقف، فإن الفطنة والتقييم الجيد يعدان من بين المعايير التي يمكن الاستناد إليها. وبينما يتشدد البعض في النص على ضرورة عدم التلاعب بالصورة، فإن البعض الآخر لا يرى غضاضة في ذلك طالما كان الهدف هو تحسين جودة الصورة فنيًا.
كما تباينت هذه الضوابط، فبعض المواثيق ينص على ضرورة الإشارة لأية تعديلات تتم على الصورة، وعدم التلاعب بها إلا لتحسين جودتها، مثل استخدام عمليات التعتيم burningوالتحكم في درجة تباين اللون contrast control وضبط الألوان أو تفتيح الصورة dodging أو الاقتطاع spotting and cropping، مع التنويه عن أية حالات تتعلق برسومات الصور أو إجراء تحسينات عليها باستخدام الكمبيوتر، أو تلوينها أو توليفها، توقيرًا لثقة الجمهور.
والبعض لا يمانع من إجراء بعض التعديلات على الصورة، ولكنه يضع ضوابط لمثل هذا التعديلات من بينها: أن تتم بموافقة المسئول عن التحرير،وخاصة عند إجراء عمليات التلوين أو إضافات رسومات شارحة، وفي الحالات التي يعتري فيها الشك بالصورة، وكذا في الحالات التي قد تتسبب في إثارة مشكلات. وقد أشارت بعض المواثيق إلى عدة مسميات وظيفية يمكن الرجوع إليها في مثل هذه الحالات، كالمسئول عن الإخراج، أو المسئول عن الديسك، أو المحرر الرئيسي وغيرهم.
وتشير هذه المواثيق إلى أنه عند نشر صور مثيرة للجدل، كتعبير عن حالة حزن أو ألم، فيجب أن تؤخذ مشاعر المجتمع في الاعتبار، وكذلك موضوع الصورة ذاته، مع إعطاء أهمية للمشاعر الاجتماعية والذوق العام أكبر من تلك التي يتم إعطائها للقيمة الخبرية للصورة، وفي حالة إضافة أية رسوم على الصورة، قد تؤدي إلي تشويه الحقيقة، فإنه يجب أن يتم ذلك بطريقة واضحة تمامًا، وبما لا يؤدي إلى خداع القارئ، مع الإشارة إلى ذلك بوضوح، مع نشر الصورة كرسم وتوضيح، والتنويه لكل الحالات التي يتم فيها الاعتماد على الرسوم المصورة على أنها خيالية، مع الحذر من إضافة شاشات أو تلوين أو نصوص أو شروحات داخل الصورة، والحرص على أن تكون الصور المستخدمة أصلية، وأن يتم استرجاعها من أفلام الكاميرا الرقمية الأصلية. وكذلك تنص على عدم إضافة أو إعادة ترتيب أو عكس أو تشويه أو إزالة مشهد من الصورة إلا في حالات القص المعروفة لحذف زوائد من الصورة، وأن تقتصر حالات ضبط لون الصورة أو استخدام الألوان الرمادية على الحد الضروري لوضوح الصورة أو إعادة إنتاج الصورة بدقة، مع ضرورة أن تتوافق هذه الإجراءات مع عمليات التعتيم والتفتيح التي كانت تتم في ( غرف التحميض ) من قبل عند معالجة الصورة، وكذلك ضرورة تقليل عمليات ضبط الألوان إلي أقصي درجة، وأنه للحفاظ على نزاهة الصورة الوثائقية لا ينبغي تغيير الخلفيات أو إضافة الألوان أو عمل مونتاج أو قلب عناصر من الصورة.
وفيما يتعلق بكلام الصورة، فإنه بينما لا ترى هذه المواثيق غضاضة في وضع كلام للصورة التي تمت معالجاتها رقميًا، فإن البعض الأخر ينص على ضرورة أن يتم ذلك بطريقة لا تؤدي لخداع القارئ، فلا يجب القول مثلاً أن جون سميث يعمل في ورشته، بينما واقع الأمر يقول أن الصور تم التقاطها لغرض النشر، مع الإقرار بحدوث أية عمليات تدخل في الصورة. وتشير هذه المواثيق إلى إمكانية وضع العناوين وكلام الصورة داخلها وإن كان ذلك في حالات نادرة، بينما تتشدد صحيفة مثل الواشنطن بوست فيما يتعلق بكلام الصورة، حيث تؤكد على أنه لو كان كلام الصورة ضروري لتفسير الصورة أو توضيحها للقارئ للإشارة إلى أنها صورة غير حقيقية، فلا يجب استخدامها، كما لا يجب التحايل عن طريق استخدام كلام الصورة أو نسبتها لمصدرها كوسيلة لتصحيح أو تبرير أية انطباع خاطئ يمكن أن ينجم عن الصورة أو الرسم.
وتتطرق بعض المواثيق لقضية الصور والرسوم المصورة، حيث يري بعضها أنه ليس من المفضل استخدام الرسوم المصورة، وأنه يجب عملها من خلال مشاركة مصورين ومحررين ومصممين، مع التأكيد على أنها لن تخدع القارئ، وأنها تتوافق مع المعايير الصحفية الرفيعة، وتعريفها على أنها رسوم، ويري البعض الأخر أنه لا توجد فروق واضحة بين الصورة الخبرية الوثائقية والملامح المصورة feature portraits أو الرسوم التي تحمل أو تخلق قصة معينة.
كما يكشف تحليل هذه المواثيق عن مجموعة من المحظورات التي ينبغي تجنبها في المعالجة الرقمية للصور من بينها: عدم تغيير مشهد في الصورة، أو محتوي الصورة، بطريقة تؤدي لخداع قارئها عن طريق سوء تمثيل الحدث الذي تعبر عنه الصورة، وعدم السماح بإزالة أو إضافة عنصر عند إجراء عمليات تحريرية على الصورة، أو تدوير الصورة، وعدم خداع القارئ من خلال الإيحاء له بأن الصورة قد تم التقاطها بشكل عفوي، وعدم تغيير المحتوي اللوني الحقيقي للصورة الخبرية الوثائقية، أو تغيير اللون الأصلي للمشهد سواء من حيث الكثافة أو التشبع. وتشدد بعض المواثيق على ضرورة عدم استخدام أداة Clone الاستنساخ في الفوتوشوب، إلا في حالة عمل رتوش لبعض الغبار على الصورة أو إجراء حالات تجويد للصورة،وعدم مط الصورة أو تقليصها أو قلبها لتتفق مع ضوابط الإخراج، كما لا يجب إزالة الخلفية أو عمل استنساخ لها إلا بموافقة محرر الصور أثناء عملية تصميم الصفحة، ويجب تسميتها كرسوم مصورة، كما لا يجب حذف خلفية الصورة أو تعديلها بدرجة كبيرة تحت أية ظروف، وألا تؤدي أية عمليات فنية على الصورة إلى خداع أو سوء فهم لدي القارئ من خلال عمليات الاستنساخ والمونتاج والبروترية. وكذلك في الحالات التي تعرض لكيفية استخدام وسيلة معينة مثل الموضة وتصميم المنازل والرسومات..الخ. وألا يتم تغيير الصور التي يتم تلقيها من القراء عن حفلات زفاف أو رثاء أو غيرها، مع التركيز على الصور التي يتحصل عليها طاقم الصحيفة، وعدم القيام بخلق مشاهد أو توجيه الأحداث بغرض جعلها تبدو وكأنها أحداث حقيقية، وفي حالة عدم قدرة المصور الصحفي على تسجيل اللحظة الطبيعة للحدث كما وقع، فلا ينبغي إعادة صناعة الحدث بالصور. وبينما لا تحدد معظم المواثيق، الأشخاص الذين ينبغي عليهم الالتزام بهذه الضوابط، فإن قلة منهم تنص على أن الأمر يشمل المصورين والفنانين والفنيين والمصممين.
وتؤكد مواثيق بعض هذه الصحف على أنها لن نقوم بقص الصورة أو عزل الصور بطريقة تؤدي إلي خداع القارئ، وكذا لن تقوم بعكس أو قلب الصورة، وعلى عدم إعادة خلق الأحداث الإخبارية من خلال الصور، أو خلق حس مصطنع من الطبيعية عند عرض الشخصيات والرسوم، واستخدام تقنيات الغرفة المظلمة في حالة إعادة إنتاج الصورة، بل ويتشدد البعض في هذا الأمر مثل (Atlanta Journal Constitution)في التأكيد على عدم التلاعب في الصورة بأي حال من الأحوال.
كما يكشف التحليل هذه المواثيق عن مجموعة من المسموحات التي يمكن القيام بها عند المعالجة الرقمية للصور من بينها:
إمكانية تعديل الصورة في بعض الحالات المحدودة، واستخدام الرسوم بطريقة إبداعية لإبراز نقطة أو معلم معين في الصورة، وكذا إجراء بعض التعديلات في القيم اللونية للصورة من أجل إعادة إنتاجها، واستخدام الرسوم كرموز وليست كصور، مع عدم استخدام أي أداة تسمح بنسخ جزء معين من الصورة ووضعه في جزء أخر من الصورة أو في صورة أخري Clone stamp، مع الحرص على إظهار الصور المدمجة بطريقة تكشف عن أنه تم دمجهم، عن طريق إبراز صورة منها عن غيرها، على أن يظهر كلام الصورة ما يشير إلى أن الصورة تم تجميعها من عدة صور. وتسمح المواثيق كذلك باستخدام تقنيات الغرف المظلمة في حال القيام بإجراء تعديلات على الصورة، مثل التعتيم أو تفتيح الصورة طالما أنها لن تؤدي إلي تغيير محتوي الصورة. كما تسمح بالقيام بإصلاح العيوب الفنية في الصورة مثل إزالة بقع غبار أو تحول لوني حدث بسبب الإضاءة، وكذلك تسمح بتحريك وإضافة وحذف ودمج وتغيير العناصر داخل الصورة، على أن تقتصر عمليات إعادة الرتوش على إزالة بقع الغبار أو الكشط في الصورة. وبينما لا توافق هذه المواثيق علي تغير محتوي الصورة باستخدام التكنولوجيا إلا أنها لا تمنع من تحسين الجودة الفنية للصورة، وإن أشارت إلى ضرورة الحذر عند القيام بذلك لضمان إعادة إنتاج صورة صادقة، مع ضرورة عنونة الرسوم المصورة، والإشارة لذلك، والتأكد من عدم تعارضها مع الصورة الوثائقية. وبينما تسمح هذه المواثيق بإمكانية ضبط الصورة، بيد أنها لا توافق على اقتطاع أو إضافة جزء من الصورة، كما تجيز هذه المواثيق اللجوء على استخدام "المؤثرات" المتاحة في أنظمة المونتاج والتصاميم الإيضاحية (الغرافيكس) في حالة الرغبة فقط في تعزيز وتحسين الصورة أو الصوت الأصلي المصاحب للمشهد، ولكن بما لا يؤدي إلى إعطاء انطباع غير واقعي عن الواقعة أو الحدث.

(3) نحو تصور أخلاقي بديل للمعالجة الرقمية للصور الإعلامية:

أن أي تصور أخلاقي للمعالجة الرقمية للصور الإعلامية، يجب أن يؤكد على كون التصوير الرقمي هو علم وفن، وأنه مهنة تستحق التقدير والاحترام، وتلعب دورًا حيويًا في الإعلام الحديث، وأن ممتهني هذه المهنة أو المتعاملين معها بجوانبها المختلفة يجب أن يسعوا جاهدين للالتزام بالمعايير الأخلاقية الواجب إتباعها في مجال الصورة، وبنقل الواقع والحقيقة، مع الالتزام بكل معايير الصدق والأمانة، والحرص على مصداقية الصورة، والتأكيد على أهمية الاقتداء بالمعايير المتبعة في جمع ونشر ومعالجة المواد الإخبارية والإعلامية في مجال الصورة،وضرورة الحرص الجماعي على مصداقية الصورة، وقدرتها على توصيل الحقيقة، والحفاظ على مكانتها كوسيلة اتصالية مرئية مميزة، والتضامن من أجل تحقيق أكبر مساحة ممكنة من حرية الحصول على الصورة ونشرها، مع الحفاظ على قيم المجتمع وتقاليده، مع الإقرار بحدود وإمكانيات وقدرات أي ميثاق شرف يعني بالمعالجة الرقمية للصورة، فالاقتراب من مثل هذه المعالجات يقتضي المرونة وتفعيل البداهة والحس الصحفي السليم للحكم على المعالجة وكيفية القيام بها.
وجريًا على عادة مواثيق الشرف الإعلامية في صياغة ضوابطها وآدابها وفق مبدأ " يجب و لا يجب" أو " يجوز أو لا يجوز" سنحدد بعض الضوابط والآداب المهنية المسموح بها وتلك غير المسموح فيما يتعلق بالمعالجة الرقمية والتناول الإعلامي للصور الرقمية، فمن بين الممارسات المهنية التي يمكن إتباعها في مجال معالجة الصور رقميًا ما يلي:
يجوز للصحفي أو المصور أو محرر الجرافيك أو المسئولين عن المعالجة الفنية والتحريرية للصورة، ضبط التباين اللوني في الصورة، والتحكم في درجة لمعان وإنارة الصورة بما يجعلها تتوافق مع شكل الوسيلة الإعلامية. كما يجوز القيام بعمليات تفتيح أو تعتيم بعض الألوان في الصورة بشرط ألا يؤدي ذلك لتغيير في حقائق الصورة. وكذلك يجوز القيام بعمليات تصحيحية لألوان الصورة. كما يجوز ضبط حدود الصورة لتتلاءم مع المساحة المخصصة لها على الصفحة، لكن بدون أن يؤدي ذلك إلى اقتطاع جوانب أساسية في الصورة، وبما يؤدي إلى تشويهها أو حذف بعض وقائعها. كما يمكن إعادة ترميم بعض الصور القديمة وإزالة ما قد يعلق بها من غبار وخدوش وبما ييسر عملية استخدامها صحفيًا وإعلاميًا، لكن بدون إجراء أية عمليات تؤدي إلى حذف أجزاء منها.
ومن الممارسات المهنية التي ينبغي عدم القيام بها في المعالجات التحريرية والإخراجية والإنتاجية الرقمية للصورة ما يلي: لا يجوز استخدام الوسائل الرقمية بأية طريقة لخداع الجمهور وتغيير محتوي الصورة ومكوناتها، ولا يجوز إضافة عناصر أو حذف عناصر من الصورة، وبما يؤدي إلى تلفيق أو اختلاق وقائع ليست قائمة بالصورة، ولا يجوز إزالة عناصر متضمنة في الصورة، رغبة في الإيحاء بأنها لم تكن موجودة، ولا يجوز إجراء تغييرات لونية في الصورة بصورة تزيد عن الرغبة في استعادة الأوضاع الأولية والحقيقة لعناصر الصورة، ولا يجوز اقتطاع أجزاء من الصورة أو تغيير الإطار أو السياق الذي يحتوى عناصر الصورة أو تدويرها بطريقة تغير من الواقع الحقيقي للصورة. كما ينبغي الحذر عند القيام باستخدام ما يعرف بالرسوم المصورة أو الرمزية، مع التنويه إليها في حال استخدامها، وتعريفها بكونها رسوم مصورة وليس مادة مصورة تحريرية، ولا ينبغي استخدام أداة الاستنساخ بطريقة تؤدي لتغيير محتوي الصورة أو دلالتها أو معناها، مع ضرورة إدراج توضيح لكل صورة يتم إجراء تعديلات عليها، كما يجب أن تتفق وسائل الإعلام والصحف على طريقة موحدة في كيفية عرض التوضيحات الخاصة بالتعديلات التي تتم على الصورة، والعمل على تجنب كل ما يؤدي إلى تغيير المشهد الحقيقي كما تم التقاطه بالكاميرا، كإضافة أو حذف عناصر من الصورة تؤدي لتغيير سياقها، وجعل الصورة تتحدث عن نفسها، إذ ليس مقبولاً تغيير جانب أو مكان أو وقت أو إزالة جزء من الصورة، مع الحذر عن القيام بعمليات ضغط للصور، وعدم استخدام الفلاتر الخاصة التي قد تؤثر على بيانات الصورة، وعدم إجراء تعديلات على أجزاء الصورة التي هي محل خلاف أو جدل. كما لا يجوز دمج صورتين تم التقاطهما في تاريخين مختلفين للإيحاء بأنهما وقعا في وقت واحد، كما لا يجوز اصطناع حدث مصور لوقائع لم تتم. ويجب أن يتم التعديل على نسخ من الصور وليس أصلها حتى يمكن مقارنة الصورة بالأصل، وأن يتم مقارنة الصور في ظروف متطابقة، والتعامل مع الصورة على إنها بيانات ومعلومات وآراء. ويفضل أن يكتب اسماء المساهمين في العمل المصور أسفله. كما ينبغي الحذر عند استخدام صور قديمة للإيحاء بأن الصور حديثة، وضرورة التنويه لتاريخ الصورة. كما ينبغي تقييم اختيار المادة المصورة بناء على أذواق وتقاليد وأخلاقيات الجمهور، أكثر من الاعتماد على القيمة الخبرية أو الرؤية الشخصية للصحفي.

خلاصة الدراسة:


تشير كل المؤشرات إلى حدوث تحولات جذرية في مكانة ودور الصورة في الإعلام الحديث، وإلى تعاظم ظاهرة الصورة الإعلامية الرقمية، وتزايد إدراكها وتصورها كوسيلة اتصالية متميزة، لها تقنياتها ودلالاتها وتأثيراتها ومفرداتها الخاصة بها، ولكن من ناحية أخرى حدثت تحولات سلبية تتمثل في ظهور ممارسات أخلاقية مغايرة لما كان سائدًا في السابق، وإلى أنه بالرغم من المزايا الكثيرة التي أضافتها تكنولوجيا الاتصال الرقمي في محال معالجة الصور، بيد أنها أوجدت الكثير من الممارسات الأخلاقية غير المقبولة من جهة، والمثيرة للجدل من ناحية أخرى. كما تكشف الدراسة عن وقوع بعض المؤسسات الإعلامية الشهيرة في شرك التلاعب الرقمي بالصورة، وإلى حدوث الكثير من الأخطاء الأخلاقية في هذا المجال. كما تكشف الدراسة عن غياب وجود مواثيق شرف محددة فيما يتعلق بضوابط المعالجة الرقمية للصور، وأن صحفًا ومؤسسات قليلة هي التي سنت لنفسها ضوابط عمل في هذا المجال، وإن اتصف معظمها بالعمومية وعدم التحديد الدقيق. كما كشفت عن وجود ممارسات أخلاقية غير سوية في مجال التعاطي مع المعالجة الرقمية للصور في بعض المؤسسات الإعلامية بفعل عوامل عديدة من بينها جدة الظاهرة والانبهار بها، وغياب وجود ضوابط محددة للتعاطي معها، ووجود ضغوط مهنية واقتصادية، وعدم الوعي بثقافة أخلاقيات الصورة الرقمية وغيرها.وكذلك كشفت الدراسة أنه مع التطورات المتسارعة في تكنولوجيا الاتصال الرقمي، وتطور برمجيات المعالجة الرقمية للصور، زادت حالات الانتهاكات الأخلاقية المتعلقة بتوظيف الصور لتحقيق أهداف مختلفة من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن ثمة حاجة لإعادة تأهيل الصحفيين في مجال التعامل مع الصور، والعمل على زيادة وعيهم بمواطن الوقوع في الأخطاء. كما أن ثمة حاجة لنقاش إعلامي أكاديمي جاد للوصول لمواثيق شرف محددة تتناول المعالجة الرقمية للصور.

الهوامش:


  1. تم تحليل مواثيق الشرف الصحفية التالية: مواثيق معهد بوينتر، ميثاق الجمعية القومية لمصوري الصحافة الأمريكية، ومواثيق الصحف التالية:
  2. Washington Post-Associated Press- New York Times– Reuters-Tampa Tribune- Spokesman Review- Newsday- Atlanta Journal Constitution- Sarasota Herald-Tribune- - St. Petersburg Times - Charlotte Observer .
  3. كما تمت الاستفادة من مجموعة المقالات التي كتبها Kenny Irby ، على موقع معهد Poynter عن الصحافة الأمريكية واهتمامها بصياغة مواثيق شرف تتناول المعالجة الرقمية للصور.
  4. تمت الاستفادة من المصادر التالية للتأريخ للصورة: محمود علم الدين، الصورة الصحفية، العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، بدون تاريخ. اندريه برتران، ونقولا فتوش، الحق في الصورة، مكتبة صادر، بيروت، 2003. عبد المنعم الحسيني: ( 1995) "التصوير الضوئي:  آفاق الماضي.. ومؤشرات المستقبل، مجلة نزوى، العدد 4، سبتمبر.
  5. تمت الاستفادة من العديد من المواقع على الإنترنت لرصد الحالات التي وردت في الدراسة، من بينها:
  6. http://www.cs.dartmouth.edu/farid/research/digitaltampering،/
  7. تمت الاستفادة من العديد من المواقع لرصد أبعاد التلاعب في الصورة من بينهاhttp://commfaculty.fullerton.edu/lester/writings/nppa.html
  8. المراجع:
  9. أديب خضور، أزمة إعلام أم أزمة أنظمة، دمشق، المكتبة الإعلامية (29)، 2003.
  10. حسن حنفي، عالم الأشياء أم عالم الصور، فصول، مجلة النقد الأدبي، العدد 62، ربيع وصيف، 2003.
  11. سعيد جبر ،الحق غي الصورة، دار النهضة العربية، القاهرة،  1986.
  12. سمير محمود، الحاسب الآلي وتكنولوجيا إصدار الصحف، القاهرة، دار الفجر للنشر والتوزيع، 1997.
  13. السيد بهنسي، دور الصور الصحفية في دعم السياسات التحريرية للصحف الحزبية، دراسة تحليلية، مجلة البحوث الإعلامية، العدد الثاني، العدد الثاني، جامعة الأزهر، 1995، ص ص 51-71.
  14. السيد بهنسي، معايير انتقاء الصور الإخبارية في الصحف المصرية بين الجمهور والمصورين والمخرجين، المجلة المصرية لبحوث الرأي العام، يناير- مارس 2000، ص ص159-193.
  15. السيد مصطفي، التصوير الفوتوغرافي، جامعة الشارقة، الشارقة، 2003.
  16. شاكر عبد الحميد، عصر الصورة، الايجابيات والسلبيات، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 311، يناير 2005.
  17. شريف درويش، تكنولوجيا النشر الصحفي، الاتجاهات الحديثة، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 2001.
  18. محمد عبد الحميد، السيد بهنسي، تأثير الصورة الصحفية، النظرية والتطبيق، عالم الكتب، القاهرة،2004.
  19. محمد عبد الحميد، تحليل محتوى الصورة الصحفية، الحلقة الدراسية الأولي لمشكلات المنهج في بحوث الصحافة، القاهرة، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، أبريل 1986.
  20. محمد عبد الحميد، حدود الاتفاق بين نتائج محتوى النصوص والصور الصحفية، مجلة بحوث الاتصال، العدد الرابع، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، 1991.
  21. محمود علم الدين، الصورة الصحفية، العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، بدون تاريخ.
  22. نصر الدين لعياضي، الصورة في وسائل الإعلام العربية، الإذاعات العربية، عدد1، 2006، 74- 83.
  23. Aaron Quinn, Accepting manipulation, what's Acceptable, Retrieved from the net, http://crpit.com/confpapers /CRPITV37 Quinn. Pdf, in March 2007.
  24. Ang, Tom, Picture Editing, Oxford: Focal Press, 2000.
  25. Bennett Davis, Re-Touching Reality: Can Pictures Lie?, Retrieved from the net:  http://www.medialit.org/reading_ room/ article45.html, in March 2007.
  26. Bissell, L., A Return to " Mr. Gates': Photography and Objectivity, Newspaper Research Journal, Sum 2000:21, 3, p.81-93.
  27. Bonnie Meltzer, Digital Photography, A Question of Ethics, Retrieved from the net:  http://www.fno.org/may97/ digital.html, in March 2007.
  28. Bossen et al., Digital Camera Use effects Photo Procedures/Archiving, Winter 2006, Newspaper Research Journal, V.27, No.1, pp18-32.
  29. Brink, B., Question of Ethics, News Photographer, June, 1998, pp21-35.
  30. Christine Rosen, The Image Culture, The news Atlantis, Fall 2005, 27-46.
  31. Cromey, D.W, Digital Imaging: Ethics, Retrieved from the net: http://swehsc.pharmacy .arizona.edu/ exppath/mirco /digimage_ethics.html, in March 2007.
  32. Donald R. Winslow, A question of Truth Photojournalism and Visual Ethics, Retrieved from the net:http://www.nppa.org/ news_ and_events/news/2006/08/ethics.html, in March 2007.
  33. Edgar shaohua Huang, " Readers' Perceptions of Digital Alteration in Photojournalism, Journalism and Communication Monographs 3, no. 3 (2001):149-182.
  34. Emily Church, News photography and Photoshop, Retrieved from the net:  http://blogs.reuters. com/2006/ 08/08/news-photography-and-photoshop, in March 2007.
  35. Gilberts, K. Scheluder, J. Effects of Color and Complexity in Still Photographs on Mental Effort and Memory, Journalism Quarterly, 67 (4), Winter 1990, pp.749-756.
  36. Griffin, G. Dances with Digital's: The Electronic Revolution in Australian Press Photography, Australian Studies in Journalism, (1) 1992,pp 78-92.
  37. H. Farid., 2006, Digital Doctoring: How to Tell the Real from the Fake, Retrieved from the net:   http:// www  .ists. dartmouth. edu/library/315.pdf, in March 2007.
  38. Harris, C.R. 1991, Digitization and manipulation of News Photographs, Journal of Mass Media Ethics, 6, 164-73.
  39. Hortan, Brian, The Associated Press Photo Journalism Stylebook, New York: Addison_Wesly Publishing Company, 1990.
  40. Irby, K (2001), Magazines Covers, http://www.poynter,orgl contentlcontent_view_asp?id=15422.
  41. Irby, K ,  (2003), L.A. Times Photographer Fired Over Altered Image, Retrieved from the net:   http://www.poynter.org /content/ content_view.asp?id=28082, in March 2007..
  42. Irby, K , (2003), A Photojournalistic Confession, Retrieved from the net: http://www.poynter.org/ content /content _view.asp? id=45119, in March 2007..
  43. J.D. Lasica, (1998) Photographs that lie, http://www.jdlasica.com/articles/WJR.html.
  44. James Kelly and Diona Nace, Digital Imaging and Believing Photos, Visual Communication Quarterly, 1. no. 1(1994):18
  45. Jay DeFoore, Ethics and Photo Manipulation: A Roundtable, Photo District News, New York, May 2004, Vol.24, iss5, 26-29.
  46. Jhon Russial and Wayne Wanta, Digital Imaging Skills and the Hiring and Training of Photojournalists, Journalism and Mass Communication Quarterly 75, no.3 (1998:593-605.
  47. John Long, Ethics in the Age of Digital Photography, Retrieved from the net:  http://www.nppa.org/professional_development/self-training_resource.html, in March 2007..
  48. John Pavlik and Everett Dennis, Demystifying Media Technology: Readings From the Freedom Forum Center ( Mayfiled, Calif: Mountain View, 1993).
  49. John Russial, How Digital Imaging Changes the Work of Photojournalists, Newspaper Research Journal, 21, no.2 (2000):76-83.
  50. Lester, P. M., Visual Communication: Images With Images, Washington: Wadworth Publishing Company, 2006.
  51. Lester, P. M., Photojournalism, An Ethical Approach, Lawrence Erlbaum Associates, Publishers, Hillsdale, N.J. (published 1991).
  52. Keene, Martin, Practical Photo Manipulation, Great Britain: The Bath Press, 1995.
  53.  Kenny Irby, Magazine Covers: Photojournalism or Illustration? Retrieved from the net,http://www.poynter.org/content/content_view.asp?id=15422, in March 2007.
  54. Kimberly L. Bissell, A Return to Mr. Gates': Photography and Objectivity, Newspaper Research Journal, Summer 2000, 21, 3:81-93.
  55. Mann, F. (1998): Online Ethics, Poynter Institute for Media Ethics Studies Online. Posted 29 March, 1998, Retrieved 10 March 2007.
  56. Media Awareness Network, Photographic Truth in the Digital Era, Retrieved from the net: http://www.media-awareness.ca/english/resources/educational/teachable_moments/photo_truth.cfm, in March 2007..
  57. Reaves, S. (1995a), Magazines vs. newspapers: Editors have different ethical standards on the digital manipulation of photographs. Visual Communication Quarterly, 2,5-9
  58. Reaves, S. (1995b), The Unintended Effects of New Technology and Why We Can Expect More, Visual Communication Quarterly, 2-11-15.
  59. Reaves, S., & Hitchon, J. B., (2004). If Looks Could Kill: Digital Manipulation of Fashion Models, Journal of Mass Media Ethics, 19 (1) 56-71.
  60. Reaves, S., The Vulnerable Image: Categories of Photos as Predicator of Digital manipulation, Journalism and Mass Communication Quarterly, 72 (3), autumn 1995, pp.706-715.
  61. Scholars for Peace in the Middle East, (2006), The Truth, The Whole Truth and Nothing but the Truth, Retrieved from the net: http://www.spme.net/cgi-bin/articles.cgi?ID=947, March 2007.
  62. Sharira Fahmy and C.Zoe Smith, Photographers Note Digital's Advantages, disadvantages, Newspaper Research Journal, Vol.24.No.2, spring 2003, 82-93.
  63. SharQ, Ethical dilemmas regarding photo editing and manipulation in the print media, Retrieved from the net: http://everything2.com/index.pl?node_id=1305374, March 2007.
  64. Stan Stanleigh, Where Do We Redraw the Line, Retrieved from the net: www.rrj.ca.print/204, March 2007.
  65. Susan Zavoina and Tom Reichert, Media Convergence/ Management Change: The Evolving  Workflow for Visual Journalists, The Journal of Media Economics 13, no.2 (2000):143-151.
  66. Thomas W. Cooper, New Technology affects Inventory: Forty Leading Ethical Issues, Journal of Mass Media Ethics, Vol.13, N.2, 1998, pp71-92.
  67. Thompson, Brad, A Snapshot of Photojournalists? Attitudes towards the Ethics of Digital Manipulation, Paper presented at the AEJMC, San Francisco, and August, 2006.
  68. Vernon, Mora E., The Credibility News Photography in The Digital Age, M.A., Las Vegas: University of Nevada, 1996.
  69. Wheeler, T. H. Phototruth or Photofiction: Ethics and Media Imagery in the Digital Age, New Jersey: Lawrence Erlbraum Associates Publishers, 2000..
  70. William Gamson, et al., Media Images and the Social Construction of Reality, Annual Review of Sociology, 1992, Vol.18, pp373-393
  71. Wilson Lowrey, Normative Conflict in the Newsroom: The Case of Digital Photo Manipulation, Journal of Mass Media Ethics, 18, (2), 123-142.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق